في لحظة فارقة من تاريخ الوطن، حين غفت أعين الجبناء، وتلاشت يقظة من ظنناهم حصونًا، وترددت نخب الشهرة عن النطق باسم الوطن، كان هناك من لا ينام، من لا يساوم، من لا يُثنيه الظلام ولا ترهبه التهديدات. إنه الدرك الوطني، ذلك الجهاز الذي ظل وفيًا لمهمته، صامدًا في وجه الفساد، يقظًا في زمن الغفلة.
بينما تعالت أصوات المتاجرين بالأوطان، وامتدت أيادي المفسدين إلى ما وراء الحدود، وتقاعست النخب عن القيام بواجبها، سهر رجال الدرك في صمت، يعملون بصبر وحزم، لا يبحثون عن أضواء الكاميرات ولا تصفيق الجماهير، بل عن الحقيقة، وعن أمن وطن ينزف في صمت.
وقد كانت عملية الإطاحة بشبكة ضخمة لإدخال الممنوعات، التي تسللت تحت جنح الظلام، شاهدة على يقظة هذا الجهاز الوطني. لم تكن مجرد نجاح أمني عابر، بل كانت تأكيدًا على أن في الوطن رجالًا لا يُخدعُون، لا يُباعُون، ولا يتأخرون عن نداء الواجب.
لقد خاض رجال الدرك هذه المعركة في صمت، دون استعراض، فكانوا مثالًا للانضباط والانتماء. بحثوا، تحرّوا، تقصّوا، حتى تهاوت أوكار التهريب واحدًا تلو الآخر. لم يكن الأمر سهلًا، لكن في وطن تنهشه مخالب التهريب والجريمة، يكون السهر على أمنه شرفًا لا يناله إلا الأوفياء.
إن ما قام به الدرك الوطني ليس مجرد إنجاز أمني، بل رسالة عميقة لكل من يظن أن هذا الوطن بلا حماة، أو أن الفساد سيمضي دون رادع. إنها دعوة للنخب أن تنهض، وللمجتمع أن يلتف حول مؤسساته، وللسياسيين أن يتوقفوا عن الخطابات الفضفاضة ويقتربوا من نبض الميدان.
هنيئًا لكم يا رجال الدرك، وهنيئًا للوطن بكم. أنتم الأمل حين تتعثر الأصوات، والدرع حين تنكسر الحصون.
قاسم صالح