مقال قيم، كتب بأسلوب واصف ، نقل بمنظار صاحبته، للقارئ العديد من المشاهد المحلية في الواقع الوطني المعيش بمظاهره المأساوية، وابعاده المصيرية، وإيحاءات التأثير عليها مجتمعة،،، وهي مسألة وقت ليس إلا قبيل أن يصل إلينا إعصارها، لأن التيارات الخارجية، بعضها قريب المدى جغرافيا، والآخر أكثر فاعلية، - وإن كان ما وراء البحار - لتفجير الواقع في وطننا الغالي، كما هو حال الوطن العربي الذي أصبح بالجملة" يتهاوشه" المنتدبون للتدمير، وتوزيع الأدوار على " الأقزام" ممثلي شركات الغاز، والبترول العربيين، لذلك هم ضباط اتصال ، وتصيل للتدمير الممنهج، أو الفوضوي اللا اخلاقية،، أ كثر منهم رؤساء، وامراء، وسلاطين، لهم قابلية للعب أدوار لإنقاذ مجتمعات أمة في حالة احتضار حقا بعد أن عجزت عن استحضار الأدواء، واستفحل الداء، وتمدد، وتبدد في جسم الأمة العربية، ومجتماعاتها المشيئة المطالب، بعقلية انتهازية في أحسن تمظهرات الوعي السياسي فيها، أن ينحو صاحبه/ته باللائمة على غيره/ ها...!
فهل ذلك سوى جزء يسير، وهين لدى الأيدي الناعمة، والخشنة معا ، وهو من جهة تعبير صادق عن سياسة " ردم الرؤوس في الرمال"، بعد أن نتفت الأمبرياليات " الخوافي"،و" القوادم"، لكل طائر، أو نسر، احرى الحمامات الوديعة التي استأثرت بالحكم الذي وصل إليها بالصدفة،،، يا لسخرية القدر من أمة العرب في كل قطر، في الدائرة المغلقة لما سمي الوطن العربي..! فكان الكاتب /ة يسعدها التحويم نحو الأقاصي في مقالها الذي سبب الذعر، لقابلية استحضار التدمير الى بلادنا، وقد لا تخفي الرغبة/ الخوف - حسب التحليل السيكولوجي - في التفرج على تلك المشاهد الدرامية، وتقدير حجمها صوريا،،قبيل تحويلها إلى مناظر للأستنهاض في وجهها عبر نافذة، قلم الكاتبة التجميعي، كهواية من الأنس بمخاوف الرعب من الآتي لا محالة، بما سترون، لا ما يكتب عنه في المواقع الافتراضية، بوحي بكائي، أو تحسر على اللاشيء في مجتمع، يمتح حاضره من مآسيه التاريخية،، أليس كذلك؟!
ألم نقرأ عن تجمعات حضارية، عرفنا منها في تاريخنا، ثلاث مراكز حضارية، كان لها شأنها العظيم داخل الوطن ، وخارجه .. فأولها بقيادة مشتركة لمملكة " غانا" ، فكيف تحقق ذلك، وكيف أصبح خبرا بعد عين ؟!
ولم يهتم الوعي الفردي، و الجمعي بما أصاب ذلك الوعي الحضاري، والعوامل الذي أسقطت مشروعه النهضوي، كذلك الحال في التكتل العسكري السياسي الذي أطلق عليه المؤرخون في القرن الثالث الهجري " الأحلاف العسكرية اللمتونية" والذي كان يجلس الملوك المتحالفين معه على العروش بقوته ، فتغزوا جيرانها، وتعزز قوتها بامداداته، وتنتصر على أعدائها...!
وكما تواضع الوعي على إهمال عوامل السقوط الحضاري، لذلك لم نهتم بما دمره الاحتلاليون البرتغال من مدائن المجتمع في مواجهات تؤكد خرائبها أن المقاومين بقوتهم الدفاعية، وسألتهم في المواجهة،، لم تكن متكافئة: فاندثرت الحواضر المدنية، وغاب معظمها من ذاكرة التاريخ، كما اختفت من على الخارطة، وعلى الرغم من هول الكارثة خلال ثلاثة قرون، فلا من سأئل عن مواقع: مدينة" أودغست"، و" أوليل"، و" أرتنين"، وإن وقف كاتب، أو مؤرخ متأملا على عدم تأثير الوعي في التدبير، وكذلك غياب اليقظة الحاضرة في استرجاع دروس التاريخ التي تذكر بأول إبادة جماعية قام بها المحتلون البرتغال عبر عن حجمها، وتأثيرها على التحضر، و ركام ما تبقى من مدينة "أزوكي"؛ أما على مستوى التقهقر الحضاري، فيكي أن ثلاثة قرون تشكل ظلمة في ليل طويل لم يستيقظ فيه النائمون إلا على تجمعات الإمارات التي بحثت عن " الإكرامية" في اتفاقاتها مع ممثلي فرنسا، بدلا من البرتغال، وكان التفاضل بين الفرنسي، والبرتقالي حينها،، كالتفاضل بين أن يؤكل الفرد بأنياب الثعلب، واضراسه ..!
وفي الثقافة الشفوية، يعد التكرار، هو المنهج المتواضع عليه، وكان المطلوب أكثر من الفهم، والاستفسار، والتأمل فيما آلت إليه حياة مجتمعات تنتظر استئناف دورة من التنقل ، والأرتحال في أعماق الصحراء هروبا من الإبادة الجماعية المستأنفة في حقب ولو بحمولة الانتماءات القبلية التي لم تزل حاضرة، وإن بمظهر سلبي خانع، هزيل، مستسلم لقضائه وقدره الإنساني..!
فهل الواقع يطرح بديلا غير التناوس، والتخاصم بالألفاظ، كسياسة لتبرئة أصحاب/ة " الضمير الحي" في تقديم تصوراته، وتوقعات شاخصة ، تكاد أن تفقأ العيون، فنحيلها صوريا في شكل مقالات ماتعة، لوجوه نادبة، لو كانت تتوقع ما تنبأت به " اليمامة" على اهلها،،!
فلنتقمص رؤية الأخير بدلا من تفاؤلنا في إعادة مشروع، لاكته الألسن السياسية، وهو الذي شكل حلا لدى البعض، بما فيه الكاتبة الجسورة في النظر اليه لحل عقدة الحبل التي تستحق أكثر من ذلك، قطعها بسيف بتار، كسيف" ألكسندر المقدوني"، وعقدة المقال المطلوب حلها لا قطعها للأسف، هو باختصار الذي ورد تاليا:
((علينا أن نُعيد التفكير في مؤسساتنا، أن نُعيد بناء ديمقراطيتنا، أن نقطع مع أساليب الحكم المرتجلة، وأن نعتمد رؤية واضحة، مشتركة، طويلة الأمد.
رؤية تحتضن تنوع شعبنا، وتُكرّس المواطنة والمساواة كركيزتين مقدستين لعيشنا المشترك، وتُبلور مشروعًا شاملاً: سياسيًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا — يستند إلى القانون، وتدعمه إرادة سياسية لا تلين.
على القادة إذن أن يبذلوا الجهد في إصلاح أنفسهم، وأن يتبنوا نهجًا استراتيجيًا جديدًا، ويطوروا حس التنبؤ المطلوب عند المنعطفات الكبرى في التاريخ..))
أين من هذا تأسيس رؤية على طرح إعادة بناء نظام سياسي مستقل، لا تابع، وتأسيسه بالاستناد إلى قوة الجيش الوطني، وتسليحه بما يدفع المخاطر المحدقة،، ويطرح تصورا سياسيا عماده، إقامة المشاريع التنموية الضامنة لتحقيق العدالة الاجتماعية: في تقسيم العمل، ومراعاة الكفاءة، وتكافؤ الفرص بين المواطنين،، لأن العدالة الاجتماعية ، هي الديموقراطية المطلوبة مجتمعيا، وليس ما أشارت إليه الكاتبة مع احترام اجتهادها المخلص، لكن القاصر نظريا، لأن الحرية السياسية المطلوبة حزبيا للنخبة في الطبقة المتوسطة، تلك الغائبة في مجتمعنا الرعوي الذي لم يصل، حتى مرحلة الاقطاع في المجتمعات الأوروبية الغابرة في العصور الوسطى،،
وبمعزل عن الهوس ب" الدمقراطية السياسية" للأحزاب القبلية، والمناطقية، والفئوية، والعرقية التي لا تحقق إلا المنافع الفردية في الاصطفاف خلف الاختيار على أساس " الانتخابات الطبيعي " الدارويني،، وأساسه البقاء للأقوى في مجتمع التحالفات القبلية مع أشكال انظمة الحكم في بلادنا...
لذلك لن نلح بالسؤال على الكاتبة عن الرؤية لإعادة التأسيس لمشروع تحديثي على أسس غير التي لم تستقر عليها انظمة حكم في أي محاولة لتأسيس كيان سياسي حديث؟
كيف نتباهى بالتحجج للقارئ، بالطلب من الفاسدين إصلاح انفسهم في هذه البيئة الفاسدة، وهل تنبت ارضيتها القاحلة سياسيا ، إلا كما يحترق من " الشهاب" ، حين يتحول إلى جمر حارق، نسطلي بجحيمه نارا لا تنطفئ منذ قيام النظام السياسي الهجين في بلادنا ابتداء من ١٩٦٠م. إلى يومنا ...؟!
ولو تحول الكتاب إلى نخبة واعية، ليكون ولاؤها للوطن، لا بحثا عن تعيينات على مراكز تافهة، لا تليق بحامل شهادة متوسطة، أحرى حملة اعلى الشهادات في أهم التخصصات في العلوم التطبيقية: وحشرهم باغتباط في مكتية القصر الرئاسي، ومراكز التراث، وذلك للإشراف على الاحتفالات لمهرجان المدن التراثية...!
وهذه نماذج من الكتاب الباحثين عن اسكاتهم،،، وغيرهم ، لا زال في طابور الانتظار، وتفعيل سياسة الإسكات التي تختزل انشطة الاجتماعات الحكومية أسبوعيا...!
لهذا، انتشر " فيروس" اللامبالاة مما يكتبه مثقفونا عن الوطن، والأوطان برؤية محلية، أو برؤية كونية،، لأن المواطن ، كان صادقا في تقييمه حين لم ير فيما كتبه، ويكتبه أفراد النخبة السياسية، وحتى الواعية ثقافيا في أن معظمه لا يخرج عن التعبير عن المكابدة الذاتية، والاستنجاد بسلاح الثقافة والوعي ، وتوظيفهما لمصالح الفرد الشخصية، وعلى الرغم من معاناته،، فهو مستمر في المساومة، والاستعداد لتبعية "اللحلاحين" حتى يحتضن وظيفيا، ليعلن أحدهم ولاءه في الاحتفاليات المهرجانية في قوله : " لو خضت بنا البحر، لخضناه معك،، ولن نقول لك ما قال قوم" موسى" عليه السلام ".. إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا "..!
أما كتابنا، فراكعون، تحت جزمة كل عسكري انتدبته فرنسا حاكما لتسيير مصالحها في بلادنا العزيزة،، غير أن عزة الوطن ومنعته لن تتحقق إلا بإرادة العزيز المقتدر،، ثم بوعي أكثر نضجا من" الوعي الشقي" باسلوبه الماتع، ووعي الأفراد الباحثين عن حظوظهم في الشهرة،،لا المواجهة، وقيادة الوعي الوطني...
فمتى يرقى وعي المواطن، لا وعي " الخراصون" الذين قتلهم الله لمقته إياهم قبل موتهم،، فانضم لاسرابهم المنتشرة في العرب نخبتنا الفاسدة بالفعل، وبالتعايش مع البيئة الفاسدة ، وبالقابلية للتجاوب مع كل مفسد آثم،،و متى استدعي أحد الكتاب، كان له الكلب الوفي في الفساد، ورعايته، كما أن الجمع النخبوي مصطف في طابور الانتظارات، والتوقعات ب" غيث يجود" به المانحون، كشهادة براءة للتعيين الوظيفي في إحدى الجلسات الاسبوعية حكوميا،، ؟!