د. إشيب ولد أباتي
أليست الأمة في حاجة ماسة إلى ثورة ٢٣ يوليو للتغيير اللازم في الوطن العربي،، ؟
سنتحدث عن:
١- نظرية الحاجة..
٢ - واقع الأمة الآن..
٣ - نظرية الثورة العربية، الواقع، والآفاق..
أولا: ( نظرية الحاجة.. )
في علمي الاقتصاد، والنفس، تطرح الإشكالات بحثا عن الإجابات، وذلك لترشيد البواعث المادية، والبشرة، واشباع الرغائب النفسية..
وتجنبا منا للأطر النظرية في تلك المجالات.. لأن الحاجة ملحة اليوم في واقع الأمة إلى التغيير، ليس "بيد خفية"، بل بإرادة الثوار، بالوعي الجمعي، والحركة الثورية، والعمل الموجه بالرؤية الواضحة المحددة لأهداف الامة في الاستقلال ،والسيادة الوطنية، ومواجهة التحديات الداخلية المدغومة في التحديات الخارجية، الأمر الذي لم يترك مجالا للمتقولين، فيما نحتاجه للمواجهة، و التصدى، والتضحية، وبالنتيجة إلى القيادات الرمزية ، والمقاتلين الثوريين الذين يستندون إلى المواطنين الواعين بواجباتهم الوطنية، والقومية،، وذلك لاستعادة دور الأمة النضالي، وتوجيه بوصلة سفينة الوطن الضائعة ما بين بحر الظلمات، و رمال الصحراء العربية الكبرى، بعد أن افتقدنا مراكزنا الحضارية جراء تفككها واحدا بعد الآخر، ولم يبق منها إلا النفوذ المعطل في جمهورية مصر تحت مظلة الحياد المسحيل، الحياد السوسري المخادع، والهروبي لتبرير الاستسلام السياسي للمحتل الصهيوني.!
لكن أين من ذلك واجب المواجهة للعدوان الذي فرض نفسه، كأنما هذا الواقع المأساوي، أعاد الظروف الانهزامية غداة النكبة في سنة ١٩٤٨.؟
وبغض النظر عما يجري من مواجهة غير متكافئة من اجل النصر في مدينة غزة،،
فاقطار الوطن العربي، ومجتمعاتها في أوضاع يرثى لها، هي الأخرى، لأن كلا منها سجن كبير، ولعل ما ميزها عن "غزة " منذ تسوير الاخيرة بسجنها الذي دمرته في اكثر من مواجهة خلال العشرين سنة الأخيرة في بداية الألفية الثالثة..
والفارق بين مجتمعاتنا العربية في اوضاعها الحالية، راجع لمقياس الترتيب في المسافة فقط بين المواقع الجغرافية في الوطن العربي..!
وقد يقال مرة أخرى، إن ردتي الفعل، والانفعال، هما اللذان يفسران المواجهة التي جوبه بها الكيان الصهيوني في نكبة ١٩٤٨م. في الحرب التي شارك فيها البطل، والمعلم جمال عبد الناصر، كمتطوع، وقائد للجيش النظامي معا، وخلال تلك الحرب واجه الحصار في "الفالوجة" لمدة ستة أشهر، كما كتب في يوماته في حرب ٤٨.
وفي مدينة غزة، فكر في الثورة، ومواجهة الاحتلال ليس في فلسطين، ومواجهة العدوان فحسب، بل بالمواجهة الاستراتيجية التي بدأت من القاهرة، لتصل إلى فلسطين...
وقد نجح جمال عبد الناصر في تنظيم الضباط الأحرار في غضون أربع سنوات، وحسم الموقف منذ قيام الثورة سنة ١٩٥٢م.
ولعل أفضل ما يربط بين ماضي الأمة القريب وحاضرها المعيش، هو التفاعل مع ذلك الزمن الجميل، في ذكى الثورة الثالثة والسبعين (٧٣)، كمثال للبحث عن الحضور العربي الذي رفع شعاره خالد الذكر في قوله :" أخي العربي ارفع راسك عاليا، فقد ولى زمن الاستعمار"، ولعل ما بقي من هذا الشعار اليوم، هو ما تصنعه المقاومة - لا عجز الأمة - في غزة منذ معركة "طوفان الاقصى" في ال ٧ من اكتوبر١٩٢٣م.
حيث أدخلت الأمة باستدراج مدروس في معركة المواجهة، والحسم لتسجيل الانتصار، وتدمير مخططات الكيان الصهيوني،،وعجزها أمام جبهات الاحتلال، وتفكيك مسلسل الاستسلام تحت عناوينه الفرعية للتطبيع الخياني منذ" كامب ديفيد" في مصر إلى "الإبراهامية "في إمارة أبو ظبي التي تعمل لتتمدد بخيانتها، ووثنيتها اللادينية التي تكشف عن سياستها المريبة عن محاولة لتدمير قيم الجهاد الدينية،، ولا نبالغ لو سجلنا لها الانتشار، كالنار في هشيم الأنظمة العربية الأكثر انفصاما، وانقطاعا عن واقع مجتمعات الأمة، كالقابلية للتفكك، والضعف، والأختلال الوظيفي، ولذلك بدأ "التطبيع" في كل من المغرب، والسودان، والبحرين ..ولن يقطع قيد انملة صعودا، بل سيكون في حالة الهبوط، النزول، والسقوط على قفاه بعد طوفان الأقصى، وهذه من النتائج الأولية التي تحققت إلى حد الآن..وهي تحسب لقوى المقاومة في الأمة، ومناصرة المجتمعات المعاصرة التي بلورت رؤاها لمواجهة العدوان الصهيوني،، واستئناف الزمن المقاوم الذي نشأ تياره الذي يلقي بنوره، وتنويره، ووعيه، وإيمانه بالانتصارات المنظورة...
ثانيا: (واقع الأمة الآن..)
قد لا نختلف في التوصيف، و التحليل والتقييم في فهم أوجه التشابه بين مطالب اليوم، ومطالب الأمس في التصدي للكيان الصهيوني في حرب الوجود المصيرية للأمة العربية، و مواجهة ما افتقدناه من شروط المواجهة، كالتخطيط، والمبادأة، والمبادرات الواحدة بعد الأخرى عدا الإشارة لاجتماع واحد لقادة قوى المقاومة العربية، واعلانها عن " وحدة الساحات" في بيروت قبيل طوفان الأقصى بعدة شهور..وهو تخطيط كان سياسيا، أكثر منه عسكريا، وإن وضعت إشارات للبدء للمواجهة العسكرية في سنة ٢٠٢٥م.
أما أوجه الاستشراف للمستقبل العربي في معارك التحرير منذ ثورة ٢٣ يوليو، فيتطلب مراجعة لمسار الثورة العربية في مصر ، وتجاربها السياسية وبرنامجها ، فمن ذلك تاطير الثورة بالمبادئ الستة، و تطوير الأخيرة خلال مأسسة النظام السياسي، وفي المقدمة بناء جيش وطني الذي واجهت به الثورة في مصر أربعة حروب انتصرت في ثلاث منها وانكسرت في واحدة، وهي: في تواقيتها على التوالي: حرب ١٩٥٦م. وحرب ١٩٦٧م، وحرب ١٩٦٧م. وحرب ١٩٧٣م.
فحربا الاستنزاف، وأكتوبر، أسستا أطرا تنظيمية، ورؤيوية ميدانية للمواجهة في أي وقت تكون المواجهة مع الكيان الصهيوني، إن في حاضر الأمة، أو في مستقبلها القريب، وذلك لاستئناف حرب التحرير في فلسطين من البحر، إلى النهر.
ولعل من السهل الربط بين "طوفان الاقصى"، وحرب أكتوبر بالإشارة الى أكثر من عامل ، كوحدة التوقيت، وإرادة الانتصار التي لا تهزم، واغتنام عنصر المفاجأة، وقل الشأن نفسه - تقريبا - عن فترة الإعداد للمواجهة بالاستناد إلى أن حرب الاستنزاف الأولى، استغرقت ثلاث سنوات حتى رحيل جمال عبد الناصر رحمه الله في ٢٨ من أيلول١٩٧٠.
وتظهر التطورات الجارية اليوم، أن معركة طوفان الأقصى، ستنتهي بالانتصار في نهاية السنة الثالثة من هذه الحرب الاستنزافية، وهي تحت وقع الإبادة الجماعية للأبرياء والعزل، وتدمير المراكز الحضرية لمدن غزة، وذلك في إطار الرد اليائس للكيان الصهيوني العاجز عن تحقيق الانتصار في مواجهة حرب التحرير التي لا تهزم..
ولعل تطورات حروب الاستقلال في مجتمعات أمتنا، كما في المجتمعات التي استقلت بمقاوماتها الوطنية، والقومية،، وهي محكومة بمسار منطوقه، يشير إلى عدم التسليم بما يتحقق في معركة واحدة، لأن كل انتصار، يمهد لآخر في دحر العدو، وتدمير مؤسساته، وتفكيك تجمعاته، وتكسير إرادة قادته، الأمر الذي سيدعوهم إلى ضرورة إعادة النظر في مخططاتهم، العسكرية، ورؤاهم السياسية، والبحث عن حلفاء بعد أن تصدع التحالف الغربي مع الكيان الصهيوني، واقسمت انظمة الغرب من هذا التحالف الاجرامي الى نظم امبريالية متحالفة، تعكس مواقفها، التناقض في المواقف، و الارتباك في التصريحات لدى قادتها في مساندتهم لجرائم الاحتلال الصهيوني.
بينما تواجه شعوبها برأي عام يناهض الإبادة الجماعية، وينظر للكيان الصهيوني، كمحتل افتقد الوعي بسلوكه الهمجي، وأثبتت الوقائع اليومية، أن السردية اللاتاريخية التي غالطت وعي الشعوب، ليست الا تصورا اسطوريا غير قابل للصمود أمام حقائق التاريخ، والوقائع التي تعززها مظاهرات الشبيبة العالمية في المجتمعات المعاصرة، جنبا الى جنب مع قوى المقاومة في أمتنا العربية، والاسلامية من اليمن إلى إيران.. ومن طنجة إلى "جاكرطة"...
إن المفارقة، الكاشفة عن نقاط الضعف التي تأسست عليها دويلة الكيان الصهيوني، وهي بمثابة " اسبارة" الجديدة الساعية لتدمير مجتمعات أمتنا، وحضارة العرب على مدى تاريخنا الطويل، كما دمرت" اسبارة " العسكرية حضارة"أثينة"، لكن عجز الكيان الصهيوني عن مواجهة طويلة الأمد، وبالمقابل تطوير المقاومة لأدواتها القتالية، وتعاظم حلف قوى المقاومة العربية في مواجهة التحالف الصهيوني- الامريكي في فلسطين المحتلة.
ولهذا لن يتمكن الكيان الصهيوني من الاحتفاظ بما في ذاكرته عن (مملكة داوود) في الألفية الثالثة، لأن ذلك استرجاعا قهقريا للتاريخ بقراءة معيارية للأساطير التوراتية، وهي تفتقر إلى مقومات حضارية، أكثر منها قوة عسكرية قابلة للهزائم، ومعرضة للعزلة الدولية، ومحاصرة المشروع الصهيوني، وتفكك مجتمعه ذي الأقليات الإثنية ..
ثالثا: (نظرية الثورة العربية، الواقع، والآفاق..)
لعل المسافة لم تكن مقطوعة بين المحطات التالية: كالربط بين نظرية الثورة في التغيير السياسي، و الاجتماعي،، وقد بدأت بمشروع الإصلاح الزراعي في مصر سنة ١٩٥٤م، واستطاع بنجاح تفكيك كل من الاقطاع الزراعي المتخلف، والنظام السياسي الملكي العميل في مصر الذي كان رمزا للخيانة بقبول الهزيمة العسكرية في حرب ٤٨...
وبين استخراج القوانين، كتقسيم العمل في نظرية العدالة الاجتماعية في الفكر الثوري الوحدوي، وعززه التنظيم القومي الذي قاد تجربة الوحدة بين قطري الجمهورية العربية، كأول تجربة عربية سياسية، استندت إلى وعي الجماهير العربية في مواجهة العدوان، وكذلك إلى مراجعة التاريخ في مواجهة المحتلين الأتراك على عهد ابراهيم باشا، في القرن التاسع عشر..
كما أن المقابلة بين النتائج بهزيمة الاتراك، والاستعداد للمواجهة بعد التهديد بعدوان الكيان الصهيوني الذي أدى إلى تجربة الوحدة العربية قبيل اكتمال شروطها، ورغم ذلك ، فالقيادة الناصرية قادت مشروعا نهضويا مكتملا بأطره الفكرية، والثورية، بما قدمت في " الميثاق الوطني"، كمستخلص نظري، اعتمد على الردع العسكري للمحتل الصهيوني، وإيقاف العدوان على "اقطار الطوق" خارج فلسطين، وفي إقامة عدالة اجتماعية، والتأطير لمشروع "الديموقراطية السليمة"- كما وردت في المثاق الوطني- ، وويمكن اعتبارها أواليات لمشروع النهضة العربية على أساس التحرير، والاستقلال الوطني، و الوحدة العربية...
وهنا نلاحظ التقاطع الحاصل، كنتيجة مشجعة في العمل الثوري منذ ثورة ٢٣ يوليو، فالتوقيت لطوفان الأقصى في ٧ من اكتوبر٢٠٢٣م، كان لصد التمدد الأخطبوط للكيان الصهيوني بما يسمى " التطبيع " الخياني الذي جرى بدون مواجهة فكرية، أو احتجاج وطني، وقومي، أو رفض سياسي لأنظمة التبعية السياسية، سيما انظمة " الكفيل" في الخليج العربي التي سخر بعضها مقدراته لفرض المشروع الخياني، والاستسلامي، وذلك لفرض الهيمنة الصهيونية على كل ما هو عربي في وجودنا الاجتماعي، والسياسي، والثقافي، و العسكري، والحضاري..؟!
إن الواقع العربي : شكل دورة من الشك العدمي في الخمسين سنة الأخيرة، وقد غاب خلالها الوجود الفاعل، لغلبة دور مؤشرات الارتكاس منذ كامب ديفيد، ووادي عربة، وأرسلو، والابراهامية،،
وهذه العناوين، شكلت محطات فكل منها، جسد واقع الأمة المرير باحتلال بيروت سنة ١٩٨٢م، وسقوط بغداد سنة ٢٠٠٣م، وغياب دور حركة التحرير في فلسطين بعد عودتها إلى " غزة"، و"الضفة الغربية" وتحول قادتها إلى مرتزقة من السياسيين الانتهازيين الذين سخروا قوات أمن السلطة إلى قوة اسناد، رديفة للاحتلال العسكري في فلسطين: في لحظات الحسم في غزة، ومدن الضفة الغربية..!
ومنذ طوفان الأقصى، ظهرت مؤشرات، شكلت م جولات من المقاومة أعادت للذاكرة العربية معنى التحرر العربي، ومركزية المقاومة في فلسطين،، وقد تتسارع وتائر التغيير، وقد تبطئ، لكن المؤكد منه، أن التوقف لن يحصل، كما أن ما بعد طوفان الاقصى، ليس ما قبله، نظرا لاستحالة العد العكسي بين الأمس، و اليوم، والغد في التقويم…؟!
والسؤال الذي يطرح أولا في ورقة العمل المعدة لذكرى ثورة ٢٣ من يوليو في موريتانيا من طرف التيار السياسي الناصري العروبي..
هو: هل في حاضر أمتنا من المحيط إلى الخليج، أفق للتغيير دون مساندات فاعلة للمقاومة في غزة، ومدن الضفة الغربية، ولبنان، واليمن، وإيران؟ وهل من الممكن أن نتوجد يوعينا القومي، دون المواجهة المشروعة
للنظم السياسية التابعة، و المداهنة، وكذلك مواجهة المستثمرين الأجانب، وحلفائهم من الطحالب المنتشرة التي غطت الشارع العربي، بأعراض شائهة، بتسيد الأخطبوط الأمريكي، الصهيوني القاتل للقوى السياسية المريضة، والضعيفة، والهزيلة، و هي رديئة الوعي القبلي، والعرقي، والفئوي المذنبة في حقها، وحق مجتمعاتها، وأوطانها العزيزة ..؟!
إن فرضية المبادرة، ستبقى الخيار المفضل الذي يحقق للأمة وعيها لذاتها، المسنود بوعي المواطن العربي، فردا كان ، أو فصيلا مقاوما، واستعداده للتضحية، وكسر قيود الوهم التي تضعها انظمة العمالة العربية، ولحظتها ستتهاوى، كودات الدومينو،،
ولذلك فأقف التغيير، يترائى للناظر، كما الآمال المرتجاة في النفوس مهما تشاءمنا، ومهما اكتحلت الرؤية بالواجبات الرمادية..
فالأمة على موعد مع النصر، ما دامت البندقية مرفوعة في يد المقاومين في فلسطين الثورة، ولبنان المقاوم، واليمين العظيم بحضوره الذي يؤكد دور المبادآدأة الشجاعة، والمبادرات التي تتالت من العراق المجاهد في كل تاريخه..