كيف ابتلعت روسيا إفريقيا الوسطى؟

2022-03-25 07:08:31

تعتبر جمهورية إفريقيا الوسطى واحدة من أفقر الدول الإفريقية، بالرغم من أنها تمتلك ثروات معدنية وحيوانية كبيرة أسهمت بقوة في دعم اقتصاديات دول أخرى. وربما يعود ذلك إلى الفساد المستشري وسوء الإدارة؛ حيث عاشت إفريقيا الوسطى حقبًا معقدة ومتداخلة من الحروب الأهلية ذات الطابع الديني والانقلابات العسكرية التي رسخت للقمع والفقر والبؤس.

إفريقيا الوسطى: المخاض السياسي الصعب

تتميز الجغرافيا الاجتماعية لجمهورية إفريقيا الوسطى، التي نالت استقلالها عن فرنسا في أغسطس/آب 1960، بالثراء والتنوع، ويعتمد اقتصادها على القطاع الزراعي الذي يسهم بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي إلى جانب الغابات والتعدين حيث يعيش حوالي 60٪ من السكان في المناطق النائية، وتمثل الأخشاب والألماس واليورانيوم والذهب والقطن معظم عائدات التصدير.

يمثل انتقال السلطة في إفريقيا الوسطى تحديًا كبيرًا لاستقرار البلاد وأسهم في تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي؛ فمنذ استقلالها عن فرنسا تغيرت الحكومات خمس مرات عن طريق الانقلابات العسكرية. وقد شهدت البلاد في العام 2013 صراعًا متعددًا يختلط فيه السياسي بالديني والإثني بين قوات تحالف السيلكيا وقوات الأنتي بالاكا. 

عرفت البلاد حربًا أهلية في منتصف العشرية من هذه الألفية الثالثة إثر تمرد اتحاد القوى الديمقراطية للوحدة في شمال شرق البلاد بقيادة ميشيل جوتوديا؛ حيث سيطرت القوات المتمردة على عدة مدن أثناء الصراع المسلح وسقط عشرات القتلى ونزح عشرات الآلاف بسبب الاضطرابات؛ حيث لم تنجح جهود الوساطة في تنفيذ اتفاقية سلام بيراو حيث تجددت المعارك مجددًا في ديسمبر/كانون الأول 2012؛ حيث تسارعت وتيرة الحرب وعاشت البلاد في حالة من الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار وأخذت الحرب بعدًا دينيًّا أسهمت الحكومة الانتقالية برئاسة السيدة كاثرين سامبا في نزع فتيل الاحتقان بعد استقالة الرئيس ميشيل بفضل الضغوط الدولية.

التدخل الروسي في إفريقيا الوسطى دوافعه وأبعاده

شهد الحضور الروسي في القارة الإفريقية تراجعًا بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي؛ إذ جرى إغلاق عدد من البعثات الدبلوماسية والمراكز الثقافية الروسية في إفريقيا، كما جرى إلغاء برامج المساعدات والمنح الاقتصادية. هذا التراجع مع ذلك لم يستمر طويلًا، فبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في موسكو، عام 1999، أحدث تحولات جذرية في السياسة الخارجية حتى تستعيد روسيا ورثية الاتحاد السوفيتي مكانتها ونفوذها ضمن القوى العظمى الفاعلة والمؤثرة في السياسة الدولية. في هذا الإطار، كانت قمة سوتشي الروسية الإفريقية، في سبتمبر/أيلول 2019، تحت شعار من أجل السلام والأمن والتنمية معلنةً للحضور الروسي الجديد. 

يعد التعاون العسكري بين روسيا والدول الإفريقية عصب الشراكة، وهناك عدد محدود من الدول الإفريقية تربطها علاقات عسكرية متينة بروسيا من خلال عقود توريد الأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك من خلال التدريب والاستشارات واتفاقيات التعاون الأمني والاستخباري. وتعتبر إفريقيا ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية بعد قارة آسيا، ومن أهم تلك الدول: "الجزائر، ونيجيريا، وأنغولا، والسودان، والكاميرون، والسنغال، وموزمبيق". تعني إفريقيا بالنسبة إلى روسيا الكثير إذ تشكِّل مصدرًا مهمًّا للموارد الطبيعية "النفط والغاز والمعادن والأخشاب والثروة الحيوانية".

بدأ الحضور الروسي في جمهورية إفريقيا الوسطى في العام 2017 حين ناشد الرئيس المنتخب حديثًا، فوستين أرشانج، مجلس الأمن الدولي برفع حظر الأسلحة المفروض على بلاده حتى يتسنى للحكومة استيراد أسلحة ومعدات عسكرية للدفاع عن نفسها وحماية المدنيين. كان فوستين يراهن على فرنسا التي قدمت اقتراحًا بإرسال 1400 بندقية من طراز (AK-47) استولت عليها البحرية الفرنسية أثناء عملية لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، إلا أن روسيا استخدمت حق النقض تجاه الفكرة الفرنسية بحجة أنه لا يمكن استخدام الأسلحة المصادرة أثناء عملية حظر الأسلحة وتوجيهها لأغراض أخرى. عرضت موسكو بدلًا من ذلك التبرع بأسلحة خفيفة لجمهورية إفريقيا الوسطى، وهو الاقتراح الذي حظي بموافقة جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي. 

ما بدأ بتبرع روسي محدود بالأسلحة الخفيفة سرعان ما تحول إلى وجود أمني فعال، إثر إرسال موسكو 170 مدرِّبًا مدنيًّا وخمسة أفراد عسكريين في مهمة أمنية تحت ستار زائف متعلق بحراسة مواد بناء ومستشفيات تنشئها روسيا هناك. تبين لاحقًا أن المدنيين نخبة من قوات مرتزقة الروس التابعين لمجموعتي سيرا للخدمات الأمنية وفاغنر التي يديرها رجل الأعمال، يفغيني بريغوجين، المقرب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. أقام معظم هؤلاء المدربين الروس في قصر بيرينغو المهجور الذي كان يقطنه في السابق الإمبراطور بوساكا ويبعد القصر مسافة 35 ميلًا عن العاصمة،  

خلال فترة وجيزة سيطر الروس على جميع المهام الأمنية المهمة في إفريقيا الوسطى بما في ذلك حراسة الرئيس فوستين أرشانج. وفي خطوة تعكس حجم التعاون بين موسكو وبانغي تم تعيين الروسي فاليري زاخاروف، ضابط المخابرات السابق، في منصب مستشار الأمن القومي للرئيس فوستين أرشانج. تُوِّجت العلاقة في أغسطس/آب 2018؛ حيث وقَّع البلدان اتفاقية تعاون عسكري وجرى السماح بافتتاح مكتب لتمثيل وزارة الدفاع الروسية في بانغي، وأعلن رئيس إفريقيا الوسطى أن بلاده تدرس السماح بإنشاء قاعدة عسكرية فوق أراضيها، فضلًا عن سيطرة روسيا على مناطق واسعة ضمَّت مناجم الماس والذهب واليورانيوم.

من أجل مواجهة التقدم الروسي في جمهورية إفريقيا الوسطى قامت فرنسا بسحب جزء من طاقمها العسكري وجمدت مساعدتها التي تبلغ عشرة ملايين يورو وعلَّقت التعاون العسكري الثنائي وسط اتهامات لحكومة فوستان أرشانج بالتواطؤ مع حملة مناهِضة لفرنسا تقودها روسيا. تعدَّى الوجود الروسي الشكل العسكري بل عبَّرت فرنسا عن قلقها من النفوذ الروسي وهيمنة الشركات الروسية على الذهب والألماس فضلًا عن الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان "إعدامات جماعية وتعذيب" من قبل القوات الروسية.

 

 

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122