الاخطاء الطبية :
مآسي من الوجع الانساني
تحت عناوين غامضة :
على سرير المستشفى لم تكن الأم تنتظر سوى قطرة شفاء، فإذا بها تبتلع أنينها الأخير بصمت.. وتغادر !!
وفي ركن آخر كان الطفل يستبشر بيد بيضاء تحمل سماعة الأمل، فإذا بها تخطئ العروق، وتبعثر الحياة قبل أن تنطق اول كلمات الشكر !!
لقد تفاقمت الأوجاع حتى كادت تخترق جلد الإنسانية : مِشرط بلا ضمير؛ وتشخيص بلا تبصر، وموت يعلَّق عليه بالأختام لا بالإعتذار، فهل صارت الحياة في غرف العمليات مجرد تجربة ؟
هل تحول الطبيب من حكيم الى موظف لا يحصي الضحايا بل الأجور؟ أين المراقبة؟ أين المحاسبة؟ أم أن الضحية يُطوى ملفها كما تطوى الأكفان؟ ويختم عليها قضاء وقدر؟
نعم نحن نؤمن بالقضاء والقدر، وبأن الأعمار بيد رب الملكوت، لكن الأخطاء الطبية القاتلة حين تتكرر : تقتل، أو تفضي الى عاهة مستديمة فإنها سوف لن تكون مجرد حادث عرضي، بل مؤشرا خطيرا على علل مزمنة في بنية النظام الصحي، والمجتمع، والاخلاق المهنية!!
الأخطاء الطبية -- للأمانة -- ظاهرة منتشرة في جميع انحاء العالم لكن المختلف في الموضوع أنه عندما يَعلم الطبيب أن لا أحد يحاسبه يختلط الإهمال بالإعتياد .
الأسباب الموضوعية للأخطاء الطبية كثيرة ومتشعبة: كثير من الأطباء يتخرجون بكفاءات نظرية غير مدعومة بمهارات عملية كافية، وغياب التدريب المستمر يُبقي الطبيب خارج مستجدات العلم والتقنيات، ومنها عمل الطبيب لساعات طويلة تحت ضغط نفسي وبدني يؤدي الى الإرهاق وهو أحد أسباب الاخطاء الشائعة، وليس أقل هذه الأسباب نقص التجهيزات أو تردي البنية التحتية: الإجهزة المعطلة، المختبرات غير الدقيقة، الأدوية المغشوشة،
شراء الشهادات، التوظيف بالمحسوبية،اعتماد معايير غير مهنية في الترقية، كل هذه تؤدي الى أخطاء جسيمة او حتى لنقل مميتة!!
يجب دعم الطواقم الطبية نفسيا ومهنيا، فالأطباء بشر ايضا، ويحتاجون من يرعاهم كما يرعوْن.
العقوبات لا بد أن تكون عادلة، متدرجة شفافة، تحقق الردع لا الإنتقام، لكن في حالات الإهمال الجسيم، او القتل الخطإ فتُفعل مواد القانون العام، والتعويض للضحية، او ذويها، سواء من الطبيب، أو من الجهة المشغلة، أو عبر تأمين إلزامي على المسؤولية الطبية.
خلاصة القول: لا يراد من العقوبة إلا الإصلاح، ولا يراد من الإصلاح إلا صون الحياة وكرامة الإنسان، وما دام الطب مهنة الرحمة فلا يجوز ان تمارَس بلا ضمير، أو أن تفلت من المحاسبة حين تقتل، نعم نريد محاسبة عادلة لكن لا نريد مطاردة عشوائية. فكما أن المرضى ليسوا تجارب مخبرية، فكذلك الأطباء ليسوا حواسيب لا تخطئ،
الحل ليس في جلد أحد الطرفين، بل في ترميم الجدار المنقضِّ بينهما..
..............
اسماعيل ول محمد يحظيه الحسن