الگَژْرَه وما أدراك ما الگژْرَه ؟../ إسماعيل ولد محمد يحظيه

2025-07-05 16:47:43

 الگژْرَه : هي حين يُسرق الوطن بالمتر المربع!! 

  في ضواحي المدينة حيث تمتد السهول الفارغة، وتنام الأرض على بطنها منتظرة تنمية مؤجلة، تنبت ابنية عشوائية كالفِطر، وتُغرس أعمدة خرسانية بلا رخص ولا حياء، لا شيء هنا يشبه التخطيط،  ولا صلة البتة بين هذه الكتل الخرسانية وبين حق قانوني، او مشروع عمراني. 

وحين تصمت الجهة المختصة -- مضطرة-- عن اغتصاب  أرضها فإنها تتنازل عن جزء من هيبتها، وتعرض سيادتها للبيع بالتفسيط، فكل متر يُستولى عليه خارج القانون يُخصم من تلك الشرعية وهيبتها، فما يحدث هو ببساطة استيلاء على املاك عمومية، وسطو علني على أرض الوطن، وعلينا ان ندرك ان الأرض العامة حرمة قانونية ومن يتعدى عليها يُجرم مرتين:  مرة بحق الوطن، ومرة بحق العدالة. 

  لكن لا تتصوروا أن الفاعلين مجرد فقراء يبحثون عن مأوى تحت الشمس، فهؤلاء غالبا يُستخدمون كواجهة، وأن طابورا طويلا من المتنفذين يقف خلفهم، ومن الأثرياء الذين يمسكون العصا من أطرافها، مقاولون، سماسرة، وجهاء محليون، حتى رجال نفوذ، كلهم يشتركون في جريمة واحدة : قضم جسد البلد قطعة قطعة، ثم تقديمه في المزاد للمصالح الشخصية. 

الغريب في الأمر أن الجهة  المعنية الحاضرة عند دفع الضرائب، الغاضبة عند تعثر مشروع صغير تغيب كليا حين تُغتصب أراضيها في وضح النهار، فهل هو العجز أم التواطؤ؟ أم ان الجهة نفسها لم تعد تعرف خرائطها؟ في هذا البلد الذي يعاني من شح الموارد، تصبح الارضُ آخر  الخطوط  الحمراء للذود عن الكرامة الجمعية وعن الحق العام، فإذا تحولت الى غنيمة يتقاسمها اللصوص الصامتون فقد دخلنا عهد التوحش المؤسسي حيث تمارس الجريمة بربطة عنق، وتسجل المسروقات بأختام رسمية، من هنا تبدأ المصيبة لا من الأكواخ التي ينصبها بائس فقير في أعالي الهضاب، بل من القصور التي تُشيَّد  على نقاض القانون، ومن تواقيع صامتة في المكاتب، لا من مطارق الفقراء البسطاء وضوضائهم. 

  نشأت هذه الظاهرة المسماة  "الگژرة" أول ما نشأت على شكل تجمعات ومخيمات قماشية في ناحية المدينة محيطة بالمستشفى الوطني أسموها "حلت شرويطه" مع بداية ظاهرة الجفاف التي ضربت الساحل في أوائل السبعينات على شكل موجات خجولة للنازحين من البدو إلى العاصمة، وقد أطلقوا أسماء ساخرة على هذه "الگژرات" االتي تتالت حتى وصلت إلى ما نحن عليه اليوم. كانت "حلت شرويطه'' في المقدمة ثم على التوالي : 

" كبت مندز"، "" كبت لا فاش"، "كبت لخنازير"،" امگيژيره"، "كبت البطوار"،" ابَّيْت ابَّليس"، "ملح من حيطك"،" نتگ جنبه"، "تل الزعتر"،" الفلوجه"، والقائمة تطول، وتشتد الوطأة، ويستفحل  النزوح الى العاصمة، ويبرز مصطلح جديد وهو "" أحياء الترحيل""

وتلك قصة أخرى. 

  أخيرا علينا أن ندرك أنه لا توجد جريمة بلا ثمن، ولا سرقة بلا لعنات، والتأريخ لا ينسى الأيدي التي امتدت الى الحق العام، ولا يغفر للجهة التي سكتت، ثم ادعت يوما أنها كانت غافلة.. وما بين بيت تخفق الأرواح فيه، وقصر منيف على أديم مسروق مسافة من النية، ومسافة من القانون،  ومسافات من العدل المستنير. 

والى لقاء في دردشة قادمة ان شاء الله تعالى

إسماعيل ول محمد يحظيه الحسن

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122