أين نحن؟ عنف الدولة وصراخ المواطن بين البحث عن الذهب وذاكرة العدالة!!/ قاسم صالح

2025-05-18 15:13:09

 تتردد في شوارع موريتانيا، خصوصًا في مناطق الهامش، صيحات غاضبة تخترق صمت الدولة: (أين نحن؟) لم تعد مجرد كلمات، بل صرخة تفيض بالدمع والحسرة، صادرة من قلوب مواطنين أرهقهم الظلم، وأتعبهم الانتظار. آخر هذه الصرخات جاءت من أسرة عسكري سابق كان يدرس معي علي مقاعد الابتدائيه في افديرك تيرس زمور، قضى أكثر من نصف عمره في خدمة الوطن، ليُقتل لاحقًا في أرض الذهب التي كان يعرفها شابًا، ويعود إليها كهلاً بحثًا عن لقمة عيش.

 

في تيرس زمور، حيث الثراء المدفون تحت الصخور، يُقتل شهيدان من أبناء الوطن ـ منقّبين عن الذهب، عسكري سابق، وصديقه ابن مدينته  ـ برصاص بارد، بلا حماية، بلا مساءلة. المفارقة المؤلمة أن هذين الرجلين كل منهما خدم الدولة عقودًا، ثم يُقتلا في أرضٍ كان يعود منها في شبابه باسم الوطن، ويعود إليها اليوم باسم الفقر.

هذا النموذج لا يروي مأساة افراد فقط، بل يُجسد انهيار منظومة الأخلاق والوفاء، حيث من خدم الوطن يُترك للقدر، وتُصبح دماؤه أرخص من حفنة ذهب.

حادثة كهذه تُبرز غياب الدولة ليس فقط كجهاز أمني، بل كمفهوم شامل للحماية والكرامة. في مناجم الذهب، تسود الفوضى، وتنتشر عصابات، ويغيب القانون. الدولة تُراقب المشهد من بعيد، منشغلة بتحصيل الضرائب من الشركات، بينما أرواح مواطنيها تُسفك بلا رقيب... أين المؤسسات الأمنية؟ أين القضاء؟ بل أين الضمير؟

حين تصرخ أسر القتلى "أين أنت يا عمر؟" فهي لا تبحث فقط عن العدل، بل عن النموذج الأخلاقي الذي يمثل الدولة في أنبل معانيها. عمر بن الخطاب، حين يُستدعى في هذا السياق، لا يُستدعى فقط كشخص، بل كرمز للحاكم الذي كان يسأل عن دابة تعثرت، فكيف يُترك من خدم عمره للوطن يُقتل في صمت؟

نحن أمام لحظة تاريخية تتطلب أن ينهض الوعي الجمعي، لا لمجرد الاحتجاج، بل لبناء مشروع إنقاذ وطني حقيقي. نخبنا صامتة، أو مشغولة بالخطابات الفارغة، لكن الشعب وحده من يستطيع أن يردّ الاعتبار لدماء الشهداء الحقيقيين، لا الذين تصنعهم السياسة، بل الذين تصنعهم التضحية اليومية من أجل لقمة العيش والكرامة.

نعم، نحن نعيش زمنًا يُقتل فيه من خدم الوطن، ويُجَوّع فيه الشرفاء، وتنتشر فيه حبوب الهلوسة بين شباب لا يجد ما يفعله غير الهرب من الواقع.

لكن يبقى السؤال الصارخ: أين نحن؟

هل نملك شجاعة الإجابة؟ أم سنكتفي بالبكاء على من مات؟، في انتظار من يُقتل غدًا؟

قاسم صالح

 

 

 

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122