فى ذكرى وفاة الزعيمين: جمال عبد الناصر، وحسن نصر الله فى 28 من سبتمبر

2025-09-30 08:09:39

د. إشيب أباتي

برحيل قائدي الأمة جمال عبد الناصر، والشهيد حسن نصر الله، في الثامن والعشرين من سبتمبر في 28  لسنتي 1970/ 2024م.

 افتقدت الأمة قيادتيها،  وقد يقال إنهما من القيادات  التي قل أن يجود  الزمان بهما، ورغم ذلك فنحن متفائلين، ولن  نبذر التشاؤم في نفونسا،  وقرائنا، لأننا ندرك ، أن أمتنا العربية، منتصرة بإذن الله تعالى بفضل مقاوميها، على اعداء  الإنسانية في فلسطين المحتلة،  وقريبا يأتي اليوم الذي نرميهم في البحر، وسيهرعون  هاربين فرادى، وجماعات من فلسطين..

 وفي الذكرى لن نكظم ألمنا النفسي، ونقول : 

وا ألما  في شغاف القلوب الذي يسافر في روح الأمة عبر شراييننا  لأن لهيبه، يشوي قلوبنا جراء  الإبادة الجماعية في غزة،، إنه حريق لا ينطئ بين جوانحنا  في حاضرنا المتألم، وعلى مساحة ماضينا القريب منذ الرحيل الذي سلب الأمة قوتها، وإرادتها، وقيادتها منذ خمس وخمسين عاما  على رحيل  جمال عبد  الناصر. - رحمه الله تعالى - ، وضاعف هويناءنا، ذلك الغدر الصهيوني  بشهيد الأمة الشهيد السيد حسن  نصر الله ، له  المغفرة وشآبيب الرحمة ..

   ففي الفكر الفلسفي،  شغل التأمل النظري بموضوع القيادة ، وذلك  لإنقاذ الإنسانية  انطلاقا من مرجعيات معيارية، منها الأخلاق الرفيعة، والشجاعة حد التهور، والحضور الاخلاقي، كالإخلاص، والتهاني في حماية الأمة، وقضيتها، والصدق معها، فضلا  عن حصر الأحداث بسياسات القيادة ، كما في" المدينة الفاضلة" عند الفارابي.

بينما ركزت العلوم الاجتماعية على  مميزات عملية، كالمبادأة، والدور، والعزم، والحزم، والكارزمية، بمعنى اقتناع  الجمهور العام بروح الأمة مجسدة في القائد، واستدعاء الأحداث للقيادة،، لذلك رأى" هيجل"، إن نابوليونا، كان سيأتي، حتى ولو لم يأت " نابوليون" اعلاه بين المنظرين الأوائل، وأصحاب العلوم المعاصرة..

وكلا التصنيفين، تميز  بهما كل من قيادة جمال عبد  ناصر، وقيادة السيد حسن نصر الله رغم تباين مواقعهما، لأن الأول، كان  قائد  الثورة العربية في بداية الخمسينات، 1952م. وخاض اربعة خروب: 48 في فلسطين ، وفي مصر  حروب  56, و67،  وحرب الاستنزاف سنتي  68, 69, ، وشارك في حروب التحرير في اقطار المغرب العربي الثلاثة المغرب، والجزائر، وتونس، فضلا عن مساندة الثورة في اليمن،،فضلا عن دوره في التغيير السياسي في سورية، والعراق،والسودان، وليبيا. ومساندته لحركات التحرر الافريقية، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.. 

ولعل تعدد الهموم ، عجل  بوفاته سنة  1970.

كافح خلال  ثمانية عشر عاما من حكمه للجمهورية العربية المتحدة، ووضع أسس اول تجربة وحدوية في تاريخ العرب الحديث..

بينما كان القائد  الشهيد السيد حسن  نصر الله، من القيادات الملهمة،  وظهر بين صفوف المقاومة العربية والإسلامية   في حرب  تحرير للبنان من الاحتلال الصهيوني  1982, التي اخرجت الاحتلال ذليلا، و مهزوما سنة 2000م.

 ثم قاد نصر الله  معركة ضارية طيلة  31 يوما  ضد الكيان الصهيوني، وذلك بهدف تحرير الأسرى اللبنانيين والعرب من السجون الصهيونية.. وانهزم  العدو رغم ما يمتلكه جيش  الكيان الصهيوني،، وكانت هزيمة نكراء  في العام 2006م

 وانضاف إلى دوره القيادة الاستعانة به  في  إنقاذ سوريا  من الحرب الأمريكية بالإنابة، وذلك خلال  العشرية السوداء.

  ثم أخيرا  مشاركته العظيمة في طوفان الاقصى بحرب الاسناد في 8 /  أكتوبر/ 2023م.

وقيادة  نصر الله، كانت فعالة في تأسيس محور المقاومة بعد توحيده للساحات  الخمس: فلسطين، ولبنان، واليمن، والعراق، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ...

 والسؤال الذي يطرحه المراقبون  في حاضر الأمة العربية، وعلى ألسنة احرار العالم كذلك ، هو:

هل الأمة العربية قادرة على استيلاد، فرز الأحداث  الحالية لقياداتها التي عمق التعلق بها، والبحث عنها،  هذا  الدور الغيابي  للقيادة الملهمة في صراعنا مع الامبريالية الأمريكية، وقاعدتها  العسكرية في فلسطين المحتلة..؟  

 والواضح، أن الغياب المفاجى، والتعلق الذي يزداد يوما بعد يوم  لهذين القيادين:  جمال عبد الناصر، والشهيد السيد حسن نصر الله،، جعل منهما  رمزين للقيادة المطلوبة للمرحلة الحالية، وهما يلهمان اجيال الأمة التي  ستفرز قياداتها  المجسدة لمثلها العليا في التحرير، ومواجهة العدو، ورفض التحالفات المشبوهة، للأنظمة التابعة للأمبريالية الأمريكية، طالما بقيت هذه الامبراطورية مساندة للسلطان الصهيوني الخبيث...

إن غياب القيادة  الناصرية في سياسة الأمة، خلق فجوة كبيرة في وعي النخب المستلبة ثقافيا، والمنحرفة بوعيها الانتفاعي،،،  وهذا يعد نقيضا صارخا لوعي" الطليعة  الثورية"، وقيادتها للشارع العربي من المحيط إلى الخليج، وهي  المطالبة باستعادة ادوارها في الميدان، ونقل القيادة الرمز  من مجال الذاكرة في  المخيال الجمعي للأمة العربية ، إلى مواجهة التحديات، لخوض حرب التحرير.. 

إن القيم العليا، يجب أن تحيا بالعمل السياسي، والعمل الثوري في الميدان،  وذلك للتسريع بالتغيير، والتحديث،  الأمر الذي يقتضي المشروعية للفكر التحرري القومي،  وتجدد وعي الأجيال به،  وتمسكا بالقيم العليا الرامزة في الوعي التاريخي للجماهير، وللقيادة المضحية التاريخية ..

 وكل ما تطورت الأمة، وتقدمت، أو العكس،  تأخرت، وتعددت  نكباتها، وهزائمها، إلا وكان الاستنجاد بالرموز القيادية، والبحث عن المنقذ في الوعي الثقافي، و الأجتماعي،   والسياسي،،،

 

لقد أجمع علماء النفس على أن الأحداث المؤلمة، والمفرحة معا، تبقى، مختزنة في الذاكرة لدى الطفل، ويوما بعد يوم، تؤثر تلك الاحداث في وعيه، وقد تتجسد في سلوكه بإرادة، ووعي ، وتارة بمؤثرات خارجية،  إما سلبا، او إيجابا، وهذا  الذي حصل مع كاتب  هذا المقال في علاقته بالقائد جمال عبد الناصر  يوم وفاته في الثامن والعشرين من سبتمبر سنة 1970م، خلال  رحلتي مع والدي رحمه اله تعالى،  تلك الرحلة التي لم يبق  في ذاكرتي منها إلا ذلك الحدث المؤلم، حيث كنت في العاشرة من عمري أو قريبا من ذلك، وسافرنا خلال يوم من  واحة النخيل  [ نواملين]، إلى مدينة  [ كيفة]  عاصمة ولاية " لعصابة" في وسط  جنوب موريتانيا، وسافرنا  ركوبا على  جمل،  ولدى وصولنا لواحد من الأحياء  في جنوب المدينة يسمى " كوميز"  -   Guomeiz ، وبينما كان الجمل  تلامس ركبتيه الأماميتين الأرض،، رفعت ربة المنزل السيدة  " بنت الشرفة" صوتها تبكي، لتخبر الوالد منادية إياه باسمه   " يا ساليم"، جمال عبد الناصر،،واجهشت في البكاء، فقال لها  ما به؟ 

قالت:  رحمه الله، وساد الصمت بينهما، فتارة يرتفع النحيب ، وكانت أول  مرة، رأيت فيها والدي يبكي بكاء النساء،  بعاطفة رقيقة، إذ  لم يسبق لي أن رأيت رجلا، او امرأة في عمرهما يبكيان..

 ربما لأن بيئتنا  القروية جافة في كل شيء:  المناخ، وحتى الرياح،  فالارض رملية، وغطاء النبات، كان قليلا،  ولذلك لاغرو  أن تنعكس  تلك البيئة على  الأحاسيس، فتنحسر.

أما العواطف ، فلا بعبر عنها الا لماما، وباستحياء، وخجل، وفي مواقف مفاجئة، كتلك التي حملت  الكبار على البكاء، كبكاء الأطفال على وفاة جمال عبد الناصر..!

وبعد حوالي ربع ساعة، جاء رب المنزل " الصحه ولد سيدي جعفر"، رحمه الله،  وهو رجل فاضل، وجلس بجابنا، واستأنف،  يحوقل، ويترحم على  عبد الناصر، ويذكر مآثره في الحرب، وإن كنت لا أدري ، أي حرب كان يتحدث عنها حينئذ، وربما  كان يقصد  مشاركته في حرب  1948 في غزة, أو قيادته  لحرب 1956م، التي أسقطت نتائجها الامبراطوريتين الانجليزية، والفرنسية..

 وخاطب السيد الصحة،  نفسه قائلا: 

 السوق مغلق، ولا يوجد حانوت واحد  مفتوح، وحركة المرور متوقفة،، ولكن سأذهب لاشتري شاة، لإكرام ضيوفنا الأعزاء.

 ........

 وبناء على هذا التأثير  البالغ لمجتمعنا، وهو في الطرف  بعيدا عن مراكز التأثير الحضري في الوطن العربي،، فيمكن القول إن  وفاة جمال عبد الناصر، كانت حدثا بالغا التأثير  على الضمير الجمعي في الوطن العربي من أدناه إلى أقصاه، وأثر في  وعي الأجيال،، ورغم تأثير الأحداث التي تسارعت، وكانت  مناهضة للخط الثورة والتغيير ، كتوجه  عام للوعي القومي بقيادة عبد الناصر، وخاصة في مصر بعد   الانقلاب سنة 1971 م. على القيادات الناصرية، وهو من تدبير كل من السادات، و محمد حسنين هيكل، والمخابرات السعودية التي كان لها تأثيرها الكبير على السادات ، وهو تأثير لن يكون مساويا لتأثير  السفارة الامريكية، و دورها  الإجرامي، وما يشكله من التآمر  على قوى التغيير ، والتحديث في الوطن العربي..

 وعلى الرغم من المتغيرات المؤثرة في حياة العرب خلال سبعينيات القرن الماضي، فإن الوعي القومي الناصري انتشر، وبدأت الخلايا السياسية تشكل وعي الأجيال العربية بما فيها الناشئة العربية،  كالتلاميذ في المراحل الأولى للتعليم الإعدادي، والثانوي في موريتانيا،،

 ولعل ذلك  الحدث المؤلم الذي اختزن في ذاكرة طفولتي  بوفاة جمال عبد الناصر، واحتفره  فيها،  المأتم المفاجئ الذي رأيته تعبيرا عن عواطف صادقة، و دموعا ، على جبين والدي رحمه الله تعالى،  وجبين تلك  السيد الفاضلة رحمة الله عليها،،

وخلال المرحلة الاعدادية، وحصولي على الكتيات ،صغيرة الحجم، وهي من منشورات الناصريين في طرابلس الشمال -  لبنان - التي قدمها لي " حسين" الشاب اللبناني ..

 لقد كان مأتم  الوفاة  أكبر  صدمة لي،  وربما  يعد  من الدوافع بالنسبة لي  لمعرفة جمال عبد الناصر الذي مثل  غيابه، حادثة مؤلمة في محيطي العائلي، كوفاة  منا ، داعيا للبكاء  بهذا القدر من التعلق به،

فهل  كان دور ناصر  في حياة أمتنا حينئذ، هو الذي جعله أكثر من قائد في مصر ، بل الى أعز الأفراد  في كل مجتمع عربي ، وبالتالي أثر غيابه إلى  هذاالحد،  وهو ما  شوقني لمعرفة افكاره،  ومبادئ التحرر العربي، وإقامة المشروع النهضوي العربي...؟!

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122