بالأخلاق والأنسنة تنهض الشعوب../ قاسم صالح

2025-09-09 10:37:50

تطرح إشكالية النهضة في عالمنا العربي والإفريقي سؤالا محوريا ما الذي يجعل أمة تنهض بينما أخرى تتخلف؟ قد يبدو الجواب مرتبطا بالثروة الطبيعية أو بالتقدم العلمي، لكن الدراسات السوسيولوجية والفكرية تؤكد

- أن البنية الأخلاقية 

- الأنسنة 

هما الركيزتان الأساسيتان لأي مشروع نهضوي. فالمجتمعات التي تقصي الإنسان أو تهمش القيم الأخلاقية، حتى وإن بلغت درجات متقدمة من التصنيع، تصبح عرضة للانهيار الداخلي.

أولا: الأخلاق كحارس للبنية الاجتماعية

يذهب مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة إلى أن مشكلات العالم الإسلامي ليست مادية بقدر ما هي أخلاقية وفكرية، إذ إن فقدان المنظومة القيمية يؤدي إلى العجز الحضاري. ويؤكد ابن خلدون قبله أن (الظلم مؤذن بخراب العمران)، في إشارة إلى أن غياب العدل وتفشي الفساد يقوض أي إمكانية للاستمرار.

دول تمتلك ثروات هائلة كالنفط والغاز، لكنها ما تزال تعاني من الفقر والتبعية، لأن منظوماتها الأخلاقية والسياسية تسمح بالفساد والاستبداد، فتهدر الطاقات.

 

ثانيا: الأنسنة باعتبارها مشروعا حضاريا

 

الأنسنة ليست خطابا إنشائيا، بل رؤية عملية تعيد الاعتبار للإنسان في السياسات العامة. فهي تعني أن المواطن ليس مجرد رقم اقتصادي، بل هو غاية التنمية وأداتها.

 

تجربة بلدان الشمال الأوروبي، حيث ربطت الحكومات بين رفاهية الفرد وتقدم الدولة. فحقوق التعليم والصحة والكرامة الإنسانية كانت في صلب المشروع التنموي، وهو ما جعل هذه الدول، رغم قلة مواردها الطبيعية، في طليعة الدول المزدهرة.

 

وفي السياق العربي، حاول المشروع الناصري في مصر أن يجسد الأنسنة من خلال سياسات العدالة الاجتماعية مجانية التعليم، توزيع الأراضي على الفلاحين، وإقامة مؤسسات وطنية تضع المواطن في قلب عملية البناء.

 

ثالثا: التكامل بين الأخلاق والأنسنة

 

الأخلاق وحدها قد تبقى مثالية إذا لم تترجم في سياسات إنسانية عملية، والأنسنة وحدها قد تتحول إلى شعارات غربية مستوردة إذا لم تدعم بقيم أصيلة. لذلك، فالنهضة تحتاج إلى تلازم بين الاثنين:

 

الأخلاق تمنح المعيار والضابط.

 

الأنسنة تمنح الغاية والمقصد.

 

تجربة جنوب إفريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد). لم يكن الانتقال ممكنا لولا اعتماد مشروع أخلاقي – لجنة الحقيقة والمصالحة – جعل من التسامح والعدالة الانتقالية أساسا لإعادة بناء المجتمع على أسس إنسانية.

 

رابعا: دلالات للواقع الموريتاني والعربي

 

في السياق الموريتاني والعربي، يمكن القول إن التحدي الأكبر اليوم ليس فقط في محاربة الفقر أو تحسين مؤشرات الاقتصاد، بل في إعادة بناء العقد الاجتماعي على أساس الأخلاق والأنسنة. فانتشار الزبونية، والتمييز الاجتماعي، والتهميش الاقتصادي يعرقل أي مشروع تنموي. ولا سبيل للخروج من هذه الدائرة إلا عبر

 

1. ترسيخ قيم العدل والشفافية.

 

2. جعل الإنسان – أي المواطن البسيط – هو محور السياسات العامة.

 

3. إعادة قراءة التجارب النهضوية في تاريخنا (التجربة الناصرية مثلاً) والاستفادة من دروسها.

 

الشواهد التاريخية والمعاصرة تؤكد أن الأمم تنهض عندما تجمع بين الضابط الأخلاقي والبعد الإنساني. فالمجتمع الذي يحترم الإنسان ويحفظ كرامته، ويقيم العدالة، ويحارب الفساد، هو وحده القادر على مواجهة تحديات العصر. ومن هنا يظل الشعار ملائما

بالأخلاق والأنسنة تنهض الشعوب، وبغيابهما تتداعى الأمم مهما بلغت من ثروات أو قوى.

قاسم صالح

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122