قراءة في كتاب المجموعة الشمسية لمؤلفه محمد فال ولد عبد اللطيف / يعقوب اليدالي

2025-07-26 13:34:05

خصصت جلسة شاي الأربعاء الماضية لقراءة في كتاب "المجموعة الشمسية" للعالم والكاتب والإداري محمد فال بن عبداللطيف، وقد حضر الشاي نخبة من الأدباء والسياسيين والمثقفين والأعيان، وقدمت خلالها ورقتان علميتان قيمتان، فقد قام العالم الدكتور الشيخ بن الزين بقراءة متأنية وفاحصة للكتاب أطلع من خلالها الحاضرين على مكانة الشيخ العلمية والثقافية، مشيدا بإصداراته وكتبه ورسائله،  ثم تطرق لمحتوى الكتاب مبرزا أهم خصائصه ومميزاته ومستشهدا ببعض أشعاره وأنظامه. 

وقد عقب المثقف البارز والإعلامي اللامع السيد محمد بن سيد محمود على المحاضرة ، فركز في كلمته على مكانة الشيخ الأدبية والثقافية، وعلى تميز مؤلفاته وطرافتها وظرافتها، وقد حضرت خلفيته الأدبية في كلمته حيث شحنها بالنكت والإشارات الأدبية المليحة والاستطرادات الشعرية الموفقة التي تنم عن ذوق أدبي رفيع. 

ثم تكلم الشيخ محمد فال بن عبد اللطيف عن الكتاب بصفة عامة وعن دواعي تأليفه، ثم خص كل كوكب من المجموعة الشمسية بتعريف موجز .

ثم تتالت مداخلات الشخصيات الثقافية البارزة التي أثرت النقاش وقرأت الكتاب من زوايا مختلفة.

أما صاحبكم، فقد قرأ الكتاب مرتين وأجال ناظره فيه كرتين، فوجده جامعا للفائدة مانعا من التناوة، وقد استوقفتني أثناء مطالعتي له جملة من الملاحظات، سأستعرضها من خلال النقاط التالية: 

يعد هذا الكتاب من المؤلفات ذات الطابع المتعدد الموضوعات، فقد جمع المؤلف بين دفتيه سبع رسائل مختصرة، وتختلف هذه المنهجية عن النهج المعتاد للشيخ محمد فال بن عبداللطيف، الذي اشتهر بتأليف مصنفات تتسم بوحدة الموضوع، كما يظهر في كتبه مثل شرح المواهب الأحدية، والجرادة الصفراء، ورسالة الكوس، وفتاوى الشياطين …

اختار المؤلف لكتابه عنوانا لافتاَ هو "المجموعة الشمسية"، وعلل تلك التسمية بأن الكتاب يحتوي على سبعة نصوص تدور حول مركز واحد يجتذبها وهو خدمة العلم وترفيه القارئ، ولا شك أن العنوان مثير للانتباه، ويغري بقراءة الكتاب، حيث يظن القارئ للوهلة الأولى أن موضوعه الفلك أو علم الهيئة . وما يميز العنوان أيضا أنه خلا من تلك العبارات السجعية التي يحرص عليها الكثير من مؤلفي الشناقطة، والذين قد يدفعهم السعي وراء الألفاظ المتناغمة أحيانا إلى اختيار عناوين بعيدة عن الدلالة المباشرة للمصنف، فيصبح الاسم غير دال على المسمى ويحتاج لفك المعمى. 

حرص المؤلف على الإبداع والتميز، حيث أشار في الكتاب إلى أن بعض موضوعاته كان يظن أنه لم يُسبق إليها، وهو ملمح بالغ الأهمية يبرز فرادة الشيخ محمد فال وحرصه الدائم على تناول موضوعات بكر لم تطمثها أقلام العلماء والباحثين. وفي هذا السياق، أشار في مقدمة رسالته الطريفة "زينة الأقلام في أحلام الأنام" إلى أنه كان يظن نفسه أول من طرق هذا الباب، حتى أخبره أحد السادة أن لقاضي القضاة عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن نصر الله العسقلاني الكناني الحنبلي كتابا بعنوان "تنبيه الأخيار على ما في المنامات من الأشعار"، وأنه بحث عنه فأعياه طلابه. 

 خصص المؤلف فقرة من الكتاب لتكنيشاته التي قيدها أثناء مطالعته لكتاب جمهرة أنساب العرب لابن حزم، وكان من عادة العلماء أن يكتبوا كلمة "قف" أمام النكت واللطائف التي تصادفهم أثناء مطالعتهم للكتب وذلك لتنبيه القارئ عليها، ولتسهيل رجوعهم إليها فيما بعد، وقد سرد الشيخ محمد فال نكتا لطيفة ومعلومات عجيبة، منها على سبيل المثال لا الحصر أن أم تأبط شرا قرشية، فهو خال عدي بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وأن شيبة بن ربيعة كان يقف بعرفة إذا حج بخلاف سائر قريش، وأن داود بن مروان بن الحكم خلف على فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، بعد عمر بن عبد العزيز وكان داود أعور ففيه قيل بدل الأعور، وأن مسيلمة الكذاب خلفه على زوجه رجل من بني أمية، كما استوقفني قول ابن حزم إنه في زمنه قد انحدرت مجموعة من ذرية عبد الرحمن بن أبي بكر إلى أعمال مصر.

 يبرز في كتاب "زينة الأقلام وأشعار الأحلام" حرص الشيخ محمد فال على التوثيق والعزو الدقيق، حيث يسرد الأخبار بالأسانيد، وكأنه يقدم جوابا على تساؤل مشروع قد يطرحه القارئ، يتعلق بمدى صحة الشعر الذي قيل في المنام. كما يبدو أنه راسل عدة شخصيات علمية ليستقصي ما لديهم في ذلك الباب، فجاءته بعض الأجوبة على شكل قصص طريفة ومفيدة. كما تعمّد المؤلف عدم ترتيب محتوى الكتاب زمنياً، فتجد شعراً أنشد في رؤيا وقعت زمن  الجاهلية، يتبعه شعر ورد على شاعر من أهل انيفرار وهو يغط في نومه، وهذا النوع من التداعي الحر، يضفي تشويقاً على السرد ويحول دون شعور  القارئ بالملل. 

يمثل كتاب "الألوان" تجربة فريدة في سوسيولوجيا الأدب، جمع فيه الشيخ محمد فال معارف شتى؛ كالأدب والجغرافيا والأنتروبولوجيا البيظانية، في قالب مختصر يناسب قراء العصر، ويعكس اتساع معارف المؤلف وقدرته على تحويل النص الأدبي إلى نافذة على المجتمع والثقافة والتاريخ.

 

 يمثل نظم العوارض التي تعرض للإنسان كالتَّجشّؤ، والعطاس، والسعال، تجليا من تجليات عبقرية الشيخ محمد فال بن عبداللطيف، حيث وظف خلفيته الأدبية ومعارفه السوسيولوجية، في معالجة تلك العوارض في قالب يجمع بين المتعة والطرافة وهي ماركة مسجلة خص الله بها الشيخ محمد فال، ومن طريف ما استوقفني في ذلك النظم إشارته إلى عطسة السيدة انضات بنت سيدميله بعض عصر الجمعة بحضرة العالم الظريف أحمد سالم بن باكا، وقد طلبت منه أن يشهد لها بأنها سعيدة، فقال لها عن "يشهد عنها عطست بعد"، وقد عقد الشيخ محمدفال تلك القصة الطريفة بقوله: 

 

وذات قدر بالمجون مولعه

 قد عطست مساء يوم الجمعه

فطلبت لذاك بعض الفضلا  

إعلانها سعيدة فقال: لا

 

عقد الشيخ محمد فال العقيدة الأشعرية في اطلع من لبتيت، وهو ما يمثل قيمة مضافة نظرا لما يحظى به شعر الحسانية من اهتمام لدى العامة بسبب سهولة حفظه وكثرة تداوله. كما أن اختياره لموضوع العقيدة يعد خطوة بالغة الأهمية، خاصة وأن مناقشة هذا النوع من القضايا ظل حكراَ على النخبة العالمة. وفي هذا السياق، يذكر العلامة محمد المختار السوسي في ترجمة سيدي محمد أوعبو الهشتوكي أن السباعي بعث إليه بعد أن تصدر للتدريس في المدرسة المحمدية يقول له: "إنني أخبرت أنك تدرس باللغة الشلحية، مع ما لك من الفصاحة بالعربية المبينة، فردّ عليه: ألم تسمع قول الله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).

حفظ الله الشيخ محمد فال بن عبداللطيف وأطال في عمره وأبقاه لنا ذخرا وفخرا

*يعقوب بن اليدالي*

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122