لا يمكن الجزم أن الرئيس السابق العقيد اعل ولد محمد فال ولد اعليّ دخل مرحلة صراع جديّ مع وريثه وابن عمه الرئيس الجنرال محمد ولد عبد العزيز ولد اعليّ ما لم تثبت الوقائع العملية على الأرض هذا الطرحـ مثل استجواب العقيد أو سجنه أو مصادرة أمواله أو بعضها

.

أو بنشر العقيد لبعض فضائح الجنرال الخطيرة وفساده الكبير ـوذلك لما يربط الرجلين من مصالح مشتركة وأواصر قربى، وما يجمعها من تشابه في التفكير نتيجة الخلفية الأمنية المشتركة، وهو ما يجعل من السهل على كليهما لعب أي دور تمثيلي يتطلبه الموقف من أجل تقديم أحدهما كرئيس ديمقراطي يحارب كل الفساد حتى ولو كان من أقرب مقربيه، والثاني معارضا صلبا حتى ضد أقرب رئيس إليه .. لكنها لعبة من السهل إثبات صوريتها ما دامت مجرد تنظير.

 

بيان المارق

في بيانه الأخير الذي أتى ضمن سلسلة بيانات وأنشطة إعلامية متتالية هاجم العقيد اعل ولد محمد فال ولد اعليّ ابن عمه ووريثه الجنرال محمد ولد عبد العزيز ولد اعليّ بشكل ربما أكثر حدة من البيانات السابقة، ورغم ذلك لم يخرج هذا البيان عن مألوف كلام الرجل، أي التركيز على التمرد والانقلابات، وتقويض الدستور والقوانين من طرف عزيز، وغيرها من الكلام النظري العام، الذي لولاه لما وقّع العقيد اعل نفسه البيان بعبارة "الرئيس السابق"، أي كيف كان سيكون رئيسا لولا أنه انقلب على حليفه وشريكه في كل الفساد والجرائم العقيد معاوية؟

لقد بدأ اعل بيانه بمثال "البقالة" وبالمناسبة هو نفس المثال الذي ضربه 2005 بعد الانقلاب على حليفه ولد الطايع، حين قال اعل يومها إن موريتانيا مثل بقالة جميع موادها منتهية الصلاحية، فهل جدد اعل حينها هذه المواد؟ كل الوقائع تشي بدرجة نادرة من الفساد في تلك الفترة التي قادها اعل توجت بسرقة إرادة الشعب، حيث تورط اعل ووريثه عزيز وكل كبار المجلس العسكري في شراء الذمم وتكريس نفوذ الدولة لصالح المرشح سيدي.. هل اعترض اعل حينها؟ هل صرح؟ هل قام بأي فعل عكس التوجه العام للانقلابيين؟ 

لقد حاول العقيد اعل التشبث بالسلطة عن طريق "سخافة" البطاقة البيضاء، وعاد بعد الإطاحة بسيدي ليقدم نفسه كبديل محتمل أو منافس، ولو كان زاهدا في السلطة أو داعما للتغيير لدعم مرشحي المعارضة الذين سبقوه للتضحيات والنضال والوقوف ضد الفساد والتزوير منذ عقود.

لم يثر العقيد اعل ولد محمد فال ولد اعليّ في بيانه أي أمر مزعج في حق وريثه محمد ولد عبد العزيز ولد اعليّ سوى التنظير العام، لم يتكلم عن فضائح آكرا، ولا عن التهريب، ولا عن الصفقات بشكل معين، ولا عن ضحايا الجيش والمغامرة بهم في أدغال مالي، ولا عن أموال الجيش التي سرقت، ولا عن الطائرات المتهالكة التي سقطت وقتلت العشرات، ولا عن مغامرات ومغارمات الجنرال ورصاصاته .. الخ

من أصدق ما قال العقيد في بيانه أن الجنرال مارق متمرد، لكن هذه معلومة غير مفيدة لأنها شائعة ولا يجهلها أحد، ومن الطريف كلام العقيد اعل في بيانه عن الفقر الأخلاقي والإسفاف الفكري، فلولا هذا الثنائي أصلا لما أتى اعل بابن عمه وأدخله الجيش ودعمه بالترقيات الاستثنائية وشاركه في انقلابه الأول، ولم يبذل جهدا يذكر ضد انقلابه الثاني ... صحيح أن هذا الفساد الأخلاقي والإسفاف الفكري هو قوام نظام الجنرال إلى اليوم، فهذا الشبل من ذلك المفسد ... لكن ماذا عن اعل نفسه؟

تبادل أدوار

لا يمكن لاعل ولد محمد فال بماضيه المريب سواء تعلق الأمر بالفساد المالي أو بالقمع والظلم وتكريس الدكتاتورية وحمايتها ـ وهو ما يشترك فيه مع وريثه عزيز ـ وحاضره المتلبس بنفس الامتيازات المالية دون تضحية ولا عقاب أن يقود أي تغيير مهما كان سوء نظام عزيز، بل إن عزيز نفسه مجرد سيئة واحدة من سيئات اعل، وما يدور الآن من الشائعات بين الرجلين مجرد تبادل أدوار، وتهيئة اعل ليتصدر المشهد المعارض كبديل عن وريثه إن انتهت فترته الأخيرة، ولو كان الصراع جديا، لقام الجنرال بمصادرة أموال العقيد، أو سجنه كما فعل مع وزراء ورؤساء وزراء ومسؤولين سابقين، بعضهم تم سجنه بسبب رأي ـ مجرد ـ رأي في التلفزيون الرسمي (اسلمو ولد عبد القادر مثلا)، وبعضهم تم سجنه بسبب معارضته للانقلاب مثل حالة الوزير الأول يحي ولد الوقف الذي صرح عزيز أنه لن يطلق سراحه حتى يأكل الأرز "الخامر"، وهو ما لم يحصل فلم يعاقب الرجل على جرم اتهمه به عزيز، ولم يأكل الأرز الفاسد أي أنه كان اعتقالا سياسيا وهذا ما لم يحدث مع اعل إلى الآن..

وفي حربه الوهمية ضد الفساد قام الجنرال باعتقال مسؤولين بعضهم لم يتم إثبات التهمة عليه مثل حالة مولاي العربي، وبعضهم قضى فترات معتبرة في السجن مثل حالة ولد الداده وأحمد ولد خطري. بل إن حرب عزيز ضد خصومه المفترضين بلغت سجن وتغريم رجال أعمال كبار، ليس المقام هنا لتبرئة الجميع بل لتوضيح هذه الازدواجية المقيتة، فالجنرال، إلى كتابة هذه الحروب، لم يصادر أوقية واحدة من أموال العقيد اعل الطائلة ولم يستجوبه ـ مجرد استجواب ـ في أي ملف سواء تعلق بالفساد أو بمعارضته المفترضة للإنقلاب والنظام، أو في ملف الإرث الإنساني، أو بسبب تصريحاته النارية المتعلقة بالجيش والتي تم اعتقال اسلمو ولد عبد القادر بسبب تصريحات دونها، فلماذا يتمتع اعل بهذه الحصانة إن كان فعلا في صراع جدي مع ابن عمه؟

 

حول الجيش

في تصريحاته المتتالية وصف اعل ولد محمد فال الجيش أنه يشبه الميليشيا وسخر من معاركه ضد القاعدة، وهو الأمر الذي تم بموجبه اعتقال مسؤولين من قبلُ، ففي مقابلته مع موقع "الأخبار انيفو" قال العقيد اعل ولد محمد فال "نحن لم نسجل أي انتصار على القاعدة منذ انقلاب 2008، فقد وقعت منذ ذلك الوقت عدة عمليات، من بينها عملية تورين وقد فقدنا فيها نصف كتيبة من كتائبنا، ووقعت بعضها عملية حاسي سيدي وفقدنا فيها كتيبة كاملة وبكل عتادها، وبعدها وقعت مواجهات في وقادو، وردت القاعدة بعملية باسكنو.
أما الانتصار الوحيد الذي حققناه فهو قصف مسنة وابنتها كانتا في ركب قريب من تمبكتو، وقد تم تعويضهما عن هذا الحادث من الخزينة العامة، وعلى حساب الشعب الموريتاني".

وأضاف العقيد اعل في نفس المقابلة ""من رقوا (من الجيش) كان هناك حوالي 40 ضابطا أقدم منهم وأكثر كفاءة، وهو ما أدى لتهميشهم، فضلا عن احتقار تجربتهم وخدمتهم في الجيش الوطني.وهذا النوع من التصرف إذا تم في مؤسسة عادية فسيثير إشكالات، فكيف إذا كان ذلك في مؤسسة عسكرية لها قواعدها الصارمة وضوابطها. ولذا كان لا بد من ابتعاث هؤلاء إلى الخارج أو إبعادهم من قيادة الجيش. 
وأود أن أقول – بكل أسف – إن الجيش الآن أصبح في وضعية أشبه ما تكون بوضعية المليشيا، حيث تتم التعيينات على أساس الولاء والثقة، وليس على أساس الأقدمية والكفاءة، وهو هو أسلوب المليشيات، وذلك خلافا للجيش النظامي ذي الصرامة التنظمية والقواعد والضوابط الصارمة."

 

وليس التذكير بكلام الرجل هنا من أجل نفيه إطلاقا، بل لفضح ازدواجية الجنرال في التعامل مع السياسيين والشخصيات العامة، وللبرهان أن صراعه مع سلفه وحليفه السابق لم يصل إلى الآن أكثر الكلام "الناعم" لو قال هذا الكلام أي سياسي معارض لقامت الدنيا ولم تقعد، ولتدخل بلغاء الجنرال وخطبائه مثل ولد محم وولد الهادي على الخط، ولدشن الوزير يزيد بيه مرحلته بالهجوم عليه، بل لتعرض للسجن والملاحقة، لكن العقيد غير مسموح بإزعاجه إلى الآن على الأقل!!

 

شعب لا ذاكرة

خلاصة القول أنه لا يمكن التأكد أن خلاف الجنرال عزيز والعقيد اعل جدي، ما لم يتناول النقاط الحساسة عند الطرفين ـ على الأقل حسب خصومها ـ وما لم يتم الكلام عن الفساد المالي والنهب والصفقات الكبيرة بوضوح، وجرد الممتلكات، والملفات الحقوقية والإنسانية، وملفات المخدرات، وأسرار 13 اكتوبر، وقضايا المؤسسة العسكرية والأمنية خاصة الفساد وضحايا الجيش الخ وإلا فإن الأمر مجرد تحرش سياسي لتبادل الأدوار ولتلميع كل الطرفين للآخر حيث سيعتبر كثيرون أن من حسنات الجنرال عدم رضى العقيد عنه، كما سيقول البعض أن معارضة العقيد للجنرال مكفرة لذنوبه الكبيرة السابقة ولو كانت هذه المعارضة مجرد بيانات سطحية ومألوفة، هذا إن لم يكن الأمر مرتب بحكمة وحنكة من أجل أن يرث العقيدُ الجنرال بعد مأموريته الأخيرة هذه ..

إن التغيير الحقيقي وإصلاح البلد جديا لن يتم ما دامت نفس العصابة الحاكمة منذ ثلاثة عقود تتبادل الأدوار بين حاكم اليوم، ومغاضب ضده يلعب دورا تمثيليا محكما، دون أن نرى أي تصفية بينهم بمحاكمات ولا مصادرة أموال ولا غيره، إنه اللعب بشعب بلا ذاكرة وبلا عمق..

 

محمد الأمين سيدي مولود