زرت جيبوتي خلال الأيام الماضية في مهمة عمل ضمن بعثة مشتركة مع بعض خبراء صندوق النقد الدولي بهدف دعم جهود البنك المركزي على تطوير الإشراف على البنوك الإسلامية ووضع نظام لحوكمة الهيئات الشرعية في البلاد، وقد سجلت بعض الانطباعات واستوقفتني بعض الصور والمشاهد أعرض خلاصتها في الفقرات التالية.

.

والبداية تكون بإذن اللـه مع مدخل عام عن البلد وتاريخ الإسلام فيه مع التعريج على التاريخ السياسي.
الموقع
تقع جمهورية جيبوتي على خليج عدن عند مدخل البحر الأحمر وتمثل بموقعها المطل على باب المندب، في هذا الركن من القرن الأفريقي ملتقى لخطوط الاتصالات الثقافية والتجارية بين أوروبا وآسيا عن طريق البحر الأحمر من ناحية وبين أفريقية وبلدان الخليج عن طريق المحيط الهندي وبحر العرب من ناحية أخرى. ويحدها من الشرق كل من خليج عدن والبحر الأحمر، ومن الناحية الغربية والجنوبية الغربية إثيوبيا، وتحدها من الشمال إريتريا وتحدها من الجنوب الشرقي الصومال.
العاصمة : جيبوتي
دخل الفرد : يقدر ب 1200 دولار
: العملة : الفرنك الجيبوتي
عدد السكان : يتراوح بين 800 ألف نسمة إلى مليون.
: 23,200 المساحة: كيلومتر مربع
المجموعات السكانية : يتألف شعب جيبوتي الذي هو أصلا جزء من الصومال ، من مجموعتي عفر وعيسى إضافة إلى مجموعة عربية يمنية هاجرت على مراحل الى جيبوتي وإن كان العرق العربي وجد في البلد مم بداية الفتوحات الإسلامية.
: اللغات العربية، والفرنسية، والصومالية، والعفرية.
: 27يونيو. العيد الوطني :
مستوى الفقر
تزيد نسبة الفقر في جيبوتي عن 40% حسب معلومات صندوق الدولي ولعل من أسبابه جفاف التربة الذي أدى إلى عدم زيادة إنتاج الدولة من الغذاء عن 3 % ، كما أن متوسط العمر لا يزيد عن 48 سنة (1995) ،ومن مظاهر الفقر أيضا أن أقل من نصف السكان يحصلون على مياه صالحة للشرب.
ولكن جيبوتي تتميز باستقرار سياسي يشجع الاستثمارات الخارجية خاصة أنها تقع بين بلدان شاهدت الكثير من الأزمات السياسية كما هو الحال في الصومال وأرتيريا وأثيوبيا ومما يمحنها فرصة أكبر للنمو الاقتصادي أنها تمثل رئة اقتصاد أثيوبيا حيث يعتمد الأثيوبيين في كثير من صادراتهم ووارداتهم على ميناء جيبوتي.
الإسلام في جيبوتي
بعد أن توطدت دعائم الإسلام في الجزيرة العربية، انطلق الدعاة والوعاظ والتجار يحملون دينهم لينشروه في أنحاء الأرض، فخرجوا من الجزيرة العربية مندفعين بحماسة الدعوة، وكان من نتائج الاضطرابات السياسية التي شهدتها الدولة الأموية أن حدثت هجرات من شبه الجزيرة العربية إلى الساحل الإفريقي، ومنه تسللت إلى داخل القارة، حيث اختلطت بالسكان الأصليين من الإفريقيين. ثم وفدت خلال القرن العاشر الميلادي هجرات عربية أخرى إلى ساحل إفريقيا الشرقي، وأسس العرب المهاجرون هناك أول مدن أو مراكز تجارية معروفة في التاريخ، وكانت مقديشو أول مدينة أسست على ساحل الصومال، ثم تلتها مدن أخرى أهمها ممبسا، وملندي، ولامو. وقد اثر ظهور الإسلام في شرق إفريقيا في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأحدث تغيرات واسعة في المجتمع.
وجيبوتي هي أصلا من الصومال وتاريخ الإسلام فيها هو تقريبا التاريخ نفسه بالنسبة لجيبوتي.
وحسب بعض المصادر فإن الإسلام دخل إلى جيبوتي مبكرا في عهد النبوة خاصة أن هجرة المسلمين الأولى كانت إلى الحبشة وفي تلك الفترة لم تكن التقسيمات الموجودة اليوم معروفة فالإقليم كله كان يعرف بالحبشة.
وتمثل نسبة المسلمين في البلاد حوالي 99% من السكان ، وأهل جيبوتي يعتزون بإسلامهم ويتقيدون بتعاليمه إجمالا ويتضح ذلك من المظاهر في الشارع مثل احتشام النساء والعناية بالمساجد والاهتمام باللغة العربية ولعل مما عزز الثقافة العربية وجود المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الذي تأسسس سنة 1983 ويضم اليوم حوالي 500 طالب .
ومن عاداتهم الجميلة أنهم كانوا يهتمون بإكرام الضيف اهتماما كبيرا فكانوا يبنون بيوتا خاصة مجهزة يوقفونها لخدمة الضيوف ، فإذا أتى الضيف نزل في تلك البيوت ليجد فيها كل حاجته.
الحملات الأوروبية والاستعمار الفرنسي
وصل النفوذ البرتغالي إلى الساحل شرقي إفريقيا في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، ووطدوا نفوذهم به، فأرسلوا لهذا الغرض حملات متوالية حتى تمكنوا من السيطرة على جميع المدن العربية بالساحل الشرقي لإفريقيا. إلا أن سلطة البرتغاليين لم تتوطد بسهولة في هذه المناطق، فقد قام العرب المسلمون بثورات وانتفاضات ضد الحكم البرتغالي، ومن أهمها ثورات ممبسا، وزنجبار، وبمبا عام 1528م.
سيطر المصريون والعثمانيون على شواطئ البحر الأحمر، وتنافس عليها الاستعمار الأوروبي عام 1869 بعد افتتاح قناة السويس. واقتسمت أملاكها في أفريقيا كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأثيوبيا وبلجيكا بعد احتلال بريطانيا لمصر. وبدأ تقسيم الأملاك في إفريقيا بين الدول الاستعمارية فكانت جيبوتي من نصيب فرنسا والتي عرفت رسمياً عام 1896 باسم “الصومال الفرنسي”، ثم أصبح اسمها ” الإقليم الفرنسي للعفر والعيسى” في عام 1967 وذلك نسبة إلى أكبر قبيلتين. وفيما بين عامي 1862م إلى 1900م أحكمت فرنسا قبضها على البلاد.
النضال من أجل الاستقلال
بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الحركة العمالية في الظهور بقوة في جيبوتي، وبدأت فرنسا في مواجهة العديد من المطالب السياسية والاستقلالية من النقابات والقوى الممثلة للشعب الجيبوتي، وبناء على ذلك قررت فرنسا منح إقليم الصومال الفرنسي أو جيبوتي نظاماً نقدياً خاصاً فتم إصدار الفرنك الجيبوتي في مارس 1949م، وبدأت المطالب بالاستقلال تتزايد وبالفعل حصلت البلاد على استقلالها في 27 يونيو 1977م، وتم انتخاب حسن جوليد رئيساً للجمهورية.
تركة الاستعمار الفرنسي
توجد في جيبوتي قاعدة عسكرية فرنسية تشغل حيزا واسعا من مساحة العاصمة جيبوتي وربما يفسر الأمر سياسيا بأن القادة في جيبوتي يدركون أنهم بلدا صغيرا يعيش في منطقة مضطربة ولذلك فهم في حاجة للحماية الفرنسية.
بعد هذه المدخل والتوطئة سنتعرض بإذن اللـه لبعض المشاهد والصور من هذا البلد الجميل.
نستكمل الموضوع في حلقات أخرى بإذن اللـه
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

___

مشاهد وصور من جيبوتي 2

زرت جيبوتي خلال الأيام الماضية في مهمة عمل ضمن بعثة مشتركة مع بعض خبراء صندوق النقد الدولي بهدف دعم جهود البنك المركزي على تطوير الإشراف على البنوك الإسلامية ووضع نظام لحوكمة الهيئات الشرعية في البلاد، وقد سجلت بعض الانطباعات واستوقفتني بعض الصور والمشاهد أعرض خلاصتها في الفقرات التالية.
اجتماعات البنك المركزي
بدأنا اجتماعات باجتماع تمهيدي مع محافظ البنك المركزي الذي اعرب عن ترحيبه بالبعثة وعن الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لتطوير التمويل الإسلامي في البلاد.
ثم اجتمعنا مع أعضاء اللجنة الشرعية الوطنية التي شكلت بموجب مرسوم رئاسي سنة 2015 وتضم في عضويتها 4 من الفقهاء مع خبيرين في الاقتصاد والقانون. أما القانون الخاص بالبنوك الإسلامية فقد صدر سنة 2011.
و لم يخف المشايخ إعجابهم بالشناقطة وعلمهم وحفظهم لما عرفوا أني من تلك البلاد وسألوني عن العلامة فضيلة الشيخ محمد الحسن الددو الذي يترك الذكر الحسن لبلاد شنقيط حيثما حل لسعة علمه ودعوته وأخلاقه وتواضعه بارك اللـه فيه.
نظام الحوكمة الشرعية
تعريف الحوكمة : الحوكمة هي النظام الذي تتم بموجبه إدارة البنوك ومراقبتها بهدف تحقيق غاياتها وأهدافها.
والحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية ذات مفهوم أشمل من المؤسسات المالية التقليدية.
ومن دواعي الاهتمام بالحوكمة في اللتمويل الإسلامي أن الاختلاف بين الفتاوى التي تصدرها هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، يضعف الثقة بشرعية معاملاتها وأنشطتها، كما يضعف القدرة على حوكمة تلك الأنشطة من الناحية الشرعية، إذ إن تفاوت المعايير التي يمكن تقييم الأداء الشرعي على أساسها يضع العراقيل في تنفيذ حوكمة سليمة ومقنعة لتلك المؤسسات نظر اً لذلك الاختلاف.
وقد لخص : حسين عبد المطلب الأسرج أهداف الحوكمة الشرعية في المؤسسات المالية في النقاط التالية :
1. تحديد متطلبات المصرف المركزي فيما يخص هياكل الحوكمة الشرعية والعمليات والترتيبات الواجب توفرها في المؤسسة المالية الإسلامية، من أجل ضمان توافق جميع عملياتها وأنشطتها المالية مع أحكام الشريعة الإسلامية.
2. توفير دليل إرشادي شامل لمجلس الإدارة وهيئة الرقابة الشرعية وإدارة المؤسسة المالية الإسلامية برمتها حول كيفية تأدية واجباتها المتعلقة بالقضايا الشرعية.
3. توصيف الوظائف المتعلقة بالمراجعة الشرعية والتدقيق الشرعي وإدارة المخاطر الشرعية والبحث الشرعي.

وقد أصدر مجلس الخدمات المالية الإسلامية المبادئ الإرشادية لنظم الحوكمة الشرعية للمؤسسات التي تقدم خدمات مالية إسلامية. وتمثل هذه المبادئ الإرشادية إطارا عمليا لأفضل الممارسات التي يجب على هيئات الرقابة الشرعية القيام بها. وهي أيضا تغرس عناصر الكفاءة والاستقلالية والسرية والتناسق في ممارسات هيئات الرقابة الشرعية. وتُوصي المبادئ الإرشادية لنظم الحوكمة الشرعية للمؤسسات التي تقدم خدمات مالية إسلامية بضرورة ضمان المؤسسة المالية الإسلامية وجود نظام حوكمة شرعية فاعل ، وأن يكون الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية مسؤولية مشتركة، وليست ملقاة على عاتق هيئة الرقابة الشرعية فقط. كما أكدت المبادئ الإرشادية على أن تتمتع هيئة الرقابة الشرعية بتفويض واضح في هذا الباب.
البنوك الإسلامية

يوجد في جيبوتي حاليا 3 بنوك إسلامية هي بنك سبأ التابع لبنك سبأ في اليمن وبنك سلام الإفريقي وبنك شرق إفريقيا ولكل بنك هيئة شرعية مؤلفة من مجموعة من الفقهاء والمتخصصين منهم بعض رواد المصرفية الإسلامية المعاصرة مثل اللجنة الشرعية لبنك شرق إفريقيا التي يرأسها الفقيه والخبير الإسلامي الدولي المعروف أستاذي الدكتور عبد الباري مشعل.
وتبلغ حصة المصافي الإسلامية 17% من السوق المصرفي في جيبوتي ، وقد بدأ نشاط أول مصرف إسلامي في البلاد سنة 2006.
وأهمية الحوكمة الشرعية هي التأكد من وجود عمل مؤسسي يضمن الالتزام بأحكام الشريعة لكن أيضا يضمن عدم تضارب الفتوى في البلد الواحد وذلك ما سنناقشه بإذن اللـه لاحقا.
المصافحة بين الرجال والنساء

بما أننا نتحدث عن قضايا شرعية وأهمية الالتزام بها فإن الدين وحدة متكاملة فلا معنى للحديث عن المصرفية الإسلامية دون التقيد بالسلوك الشرعي الذي هو من المطلوبات ولا يمكن أن ينظر إليه على أنه من الأمور الثانوية ، ففي هذا السياق سأتطرق لمسألة المصافحة.

المصافحة بين الرجال والنساء تمثل اليوم إحدى الظواهر التي عمت بها البلوى لدرجة أن بعض الناس ربما ظنها من المباحات . وقد وجدت حرجا عندما أدخل بعض المكاتب وتبادر سيدة بمد يدها إلي لمصافحتها ولاحظت ذلك أيضا من إحدى موظفات صندوق النقد الدولي، وهذه الموظفة من جنسية عربية (ماه ساتر اللباس) ، وفي مثل هذه الحالات أضع يدي على صدري وإن اقتضى الأمر أن أوضح الأمر وضحته.

وبما أن هذه المسألة مما عمت به البلوى وتساهل فيه الناس كما ذكرت فسأعرج هنا على بعض أقوال أهل العلم في المسألة.
والبداية مع الحديث فقد ورد عنه صلى اللـه عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء).
يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: كونه صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وقت البيعة دليل واضح على أن الرجل لا يصافح المرأة، ولا يمس شيء من بدنه شيئا من بدنها، لأن أخف أنواع اللمس المصافحة، فإذا امتنع منها صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة، دل ذلك على أنها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره. اهـ.

وورد في الحديث أيضا عن معقل بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ".
أما مسألة الخلاف فإنما تتعلق بالعجوز التي لا تشتهي ولا تشتهى، ففي جواز مصافحتها خلاف بين أهل العلم، ما دامت الشهوة مأمونة من الطرفين، وقد نص المالكية على تحريم مصافحتها أخذا بعموم الأدلة المثبتة للتحريم، وكذلك الشافعية لم يفرقوا بينها وبين الشابة.
أعرف أن بعض الناس قد يصافح خجلا أو دفعا للإحراج أو أنه يعتبر الأمر من باب العادات المنتشرة ولكن ذلك لا يبرر لمس الأجنبية لأن من مخاطر ذلك أن تذوب الشعائر والحرمات بحجة العادة وسلامة النية.

والأمر هنا ينكر وفق المراحل التي نص عليها الحديث : باليد أو اللسان أو القلب وذلك أضعف الإيمان. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم .
وينكر على الأقل من باب سد الذرائع.
واللـه تعالى أعلم

في الحلقة القادمة نتحدث بإذن اللـه عن قضايا أخرى: رحلة بحيرة الملح أو جزيرة الجن وكذلك موضوع تضارب الفتوى في البنوك الإسلامية.

وصلى اللـه وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

__

صور ومشاهد من جيبوتي (3)

نتناول في هذه الحلقة رحلة بحيرة الملح ومخاطر حوادث السيارات وفي الجزء الثالث نتحدث عن تضارب الفتوى ومسألة الوعد في المرابحة للآمر بالشراء.
رحلة بحيرة الملح أو جزيرة الجن

نظم لنا الإخوة في البنك المركزي رحلة إلى بحيرة – بحيرات- الملح وبعض هذه البحيرات يبعد عن العاصمة حوالي 100 كلم .
انطلقنا قبيل الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة وسلكنا طرقا جبلية معبدة لكنها وعرة .
زرنا أولى بحيرات الملح وفيها جزيرة صخرية مرتفعة نسبيا تسمى جزيرة الجن ، ولاحظنا وجود ورشة عمل وحركة للسيارات حول البحيرة وقال لنا الزملاء إن الصينيين جاءوا إلى البحيرة لاستخراج الملح وتصديره، وهذا يعطينا مرة أخرى صورة عن الحضور الاقتصادي للصين في العالم وفي القارة الإفريقية على وجه الخصوص ، وحسبما فهمنا من زملائنا فإن من عادة الصينيين أن يأتوا بكل شيء عند تنفيذ مشاريعهم وأعتقد أن هذا هو منهجهم في بلدنا أيضا .

وهذا الاهتمام الاقتصادي بالقارة الإفريقية يمثل إحدى مؤشرات تحكم الصين في اقتصاد العالم مستقبلا خاصة أنها تجمع بين التقدم التكنلوجي والتفوق الديمغرافي.

انتقلنا بعد ذلك إلى بحيرة أخرى في منطقة سهول ونزلنا من السيارة وتمشينا على حدود البحيرة ولاحظنا وجود بعض السواح من الأوروبيين والصينيين على الرغم من عدم وجود بنى تحتية تسهل إقامة الزائرين لكن المنظر عموما كان جميلا حيث تلاحظ امتزاج الملح بالماء وما ينتجه ذلك من البياض الناصع وتكتمل الصورة جمالا عندما ينتهي الماء إلى سفوح الجبال والمرتفعات التي تشكل حواجز طبيعة لحركته.
طفقنا عائدين إلى العاصمة ولاحظت أثناء الرحلة أن سائقنا عمر يسرع سرعة زائدة عن المعتاد ومما يزيد مخاطر تلك السرعة أننا نسير في طرق جبلية وعرة .

وفي إحدى مراحل السير فوجئنا بالسيارة ترتفع وتنخفض مسببة ارتجاجا قويا بسبب مستوى السرعة والحمد للـه أنه سلم وأنعم علينا بالعافية والسلامة. بعد هذه الحادثة نبهت السائق وطلبت منه تخيف السرعة وعزز زملائي الطلب فخفف عمر من السرعة وأصبحت بعدها أراقب مستوى السرعة لأنبهه عند الحاجة.
وعدنا حوالي الثانية عشر والنصف وصلينا الجمعة في أحد أكبر المساجد في العاصمة.

السرعة ومخاطر حوادث السير.

لم تعد اليوم ظاهر حوادث السير مسألة عادية فهي تهدد حياة البشر على الكرة الأرضية مثلها مثل أخطر الأمراض وأكثرها فتكا ومثل أكثر الحروب تدميرا.
وسأكتفي هنا بنشر مقتطفات من تقرير لمنظمة الصحة العالمية .
يقضي نحو 1.25 مليون نسمة نحبهم كل عام نتيجة حوادث المرور. أما الذين يتعرضون لإصابات غير مميتة فيتراوح عددهم بين 20-50 مليون شخص يؤدي الكثير منها إلى العجز.

تمثّل الإصابات الناجمة عن حوادث المرور أهم أسباب وفاة الشباب من الفئة العمرية 15-29 سنة.
%90 من الوفيات العالمية الناجمة عن حوادث الطرق تقع في البلدان منخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، على الرغم من أنّ تلك البلدان تمتلك إلاّ نصف المركبات الموجودة في العالم.
ينتمي نصف من يموتون في طرق العالم تقريباً إلى فئة "مستخدمي الطرق المعرّضين للخطر"، وهذه الفئة تشمل المشاة وراكبي الدارجات وراكبي الدارجات النارية.
من المتوقع أن ترتفع معدلات حوادث المرور، إن لم تُتّخذ إجراءات بشأنها، لتصبح سابع سبب للوفاة بحلول عام 2030.
وحدّدت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 المعتمدة حديثاً غاية طموحة بشأن السلامة على الطرق تقضي بتخفيض عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور في العالم إلى النصف بحلول عام 2020.
تبين البحوث التي أجريت في عام 2010 أن حوادث المرور تحمّل البلدان تكاليف تمثل نسبتها 3% من الناتج القومي الإجمالي، وترتفع هذه النسبة إلى 5% في بعض البلدان المنخفضة الدخل و المتوسطة الدخل.
تمثّل الفئة بين 15 و 44 عاماً حوالي 48% من ضحايا حوادث المرور.
أحزمة الأمان وأحزمة ومقاعد الأطفال
• ارتداء حزام الأمان يخفّض من مخاطر موت ركّاب المقاعد الأمامية بنسبة 40% - 50% ويقلّل من موت ركّاب المقاعد الخلفية بنسبة تتراوح بين 25% -75%.
• أظهرت القوانين التي تُلزم استخدام أحزمة الأمان، هي وآليات إنفاذها، فعالية كبيرة في زيادة معدلات استخدام تلك الأحزمة.
• تسهم أحزمة ومقاعد الأطفال، في حال تركيبها واستخدامها بالطرق الصحيحة، في تخفيض وفيات الرضّع بنحو 70% وتخفيض وفيات صغار الأطفال بنسبة تتراوح بين 54% و80%. ( 1)

الحوكمة وتضارب الفتوى في البنوك الإسلامية

لا حظنا خلال المناقشات مع البنوك الإسلامية أن كل لجنة شرعية تصدر الفتاوى وفق ما يراه الأعضاء دون الأخذ بعين الاعتبار الفتاوى الصادرة من الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية الأخرى وهذا تسبب في تضارب بعض الفتوى مثل حالة الوعد في بيع المرابحة الذي أجازته إحدى اللجان الشرعية في حين منعته لجنة شرعية في بنك آخر.
الوعد في المرابحة للآمر بالشراء

الأصل في البيع أنْ تكونَ السِّلعة حاضرةً لدى البائع، ولكن هذا غيرُ متاح بالنسبة للمصرف؛ لأنَّه بحُكم وظيفة الوساطة المالية التي يتميَّز بها عن التاجر - لا يتمكَّن من إيجاد المستودعات لحفظ السلع لذلك أُدْخِلتْ في العقد فكرةُ (الأمر بالشراء)؛ أي إنَّ المصرف لا يشتري السلعة إلاَّ إذا أمرَه العميل بذلك.

والمصرف سيتعرَّض لمخاطرة عالية لو أنَّه استجاب لأمرِ كلِّ عميل يطلب سلعة معيَّنة، لا سيَّما أنَّ وقتًا وجهدًا ليس بالقليل ربَّما يفصل بين أمر العميل وإتمام البنك لعمليةِ الشراء وتوفير السلعة؛ ولذلك أدخلت في هذه الصيغة فِكرةُ الإلزام بالوعد، وأنَّ العميل الذي يَعِدُ البنكَ يجب أن يكون جادًّا ملتزمًا بتنفيذ الوعد، وإذا نكل عن الشراء، فقد أجاز بعضُ الفقهاء المعاصرين أن يلزم المصرف العميل بالتعويضِ عن الضرر الذي يلحق المصرفَ مِن جرَّاء عدم الوفاء.

صور الوعد

أولا : أن يكون الوعدُ غيرَ ملزم لأحدٍ من الطرفين، فإذا اشترى البنكُ البضاعة، ودخلتْ ملكَه، أَخبر المشتري بذلك، وخيَّره، إنْ شاء اشترى، وإنْ شاء ترَك، وهذا ما تطبقه شركة الراجحي المصرفية. وهذا البيع بهذه الصورة مُختلَفٌ فيه: فقيل: يجوز البيع، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
وذهب المالكية إلى تحريمِ هذا البيع مُطلقًا إذا ذكر مقدار الرِّبح، وهو ظاهر قول ابن تيمية، كما في "جامع المسائل" (المجموعة الأولى ص: 225 - 226).
يقول الدردير من المالكية في "الشرح الكبير": "وكُرِه: اشترِه، ويومئ لتربيحه، فإنْ صرَّح بقدر الزيادة حَرُم..."، فحرم المالكية ذِكرَ مقدار الربح، ومعلوم أنَّ بيع المرابحة يختلف عن بيع المساومة، فالتفاوض بين البنك والمشتري في بَيْع المرابحة يدور على نِسبة الربح؛ ممَّا يعني ضرورةَ كشف البائع للمشتري عن ثمنِ شرائه، أو أي تكاليف أخرى (مثل النقل والتخزين) - إنْ وُجِدت.

ثانيا : أن يكون الوعدُ ملزمًا للمتواعدين، والإلزام بالوعد تارةً يكون بلزوم البيع، وتارةً يكون بتحمُّلِ الخسارة التي لحِقَتْ بالبنك بسبب نكول الآمِرِ بالشراء عندَما يبيع البنك سلعتَه على عميلٍ آخَرَ ويتعرَّض لخسارة حقيقيَّة.

فهذا البيع بهذه الصورة مَنَعه الفقهاءُ المتقدِّمون كالحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، ورجَّح المنعَ جمعٌ من العلماء المعاصرين، منهم سماحة الشيخ ابن باز، والدكتور محمد الأشقر، والدكتور الصديق الضرير، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ سليمان بن تركي التركي، والدكتور رفيق بن يونس المصري، وغيرهم، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية؛ انظر: مجلة البحوث الإسلامية العدد السابع (ص:114) (2)
لكن المسألة تقريبا حسمت بعد صدور قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي جاء فيه :

أولاً: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.

ثانياً: الوعد – وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد – يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.

ثالثاً: المواعدة – وهي التي تصدر من الطرفين – تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للم?