حديث حول المساواة بين المرأة والرجل../ محفوظ ولد الفتى

2017-01-23 03:33:00

قضية المساواة بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي، وصلت، في الكثير من حالها، بعاملي الإفراط والتفريط في عموم المجتمع، إلى وضعين سلبيين كان حريا بالأمة تجنبهما.

.

ومع أني غير متحمس لاستخدام مصطلحي " الرجعية " و" التقدمية" لاعتبارات لست الآن في مقام شرحها، فإني أستعيرهما، مكرها، لبيان ما قصدته بالوضعين السالفي الذكر ، فأقول إن "الرجعية" العربية جمدت عطاء الكثيرات من نسائنا بمبررات عرفية مطلقة من قيودها، ونصوص شرعية مخطئة تفاسيرها، مهملة مقاصدها، حتى حرمت الأمة من دور الكثيرات من نسائها في مشروعها التنموي الشامل.

أما "التقدمية" فقد انسلخت بالكثيرات أيضا من نسائنا من الضوابط والاعتبارا ت الشرعية والعرفية حتى نزعن جلابيب الحياء بالسفور الفاضح، والاختلاط المعيب ، محاكاة للمرأة الغربية في عادتها المظهرية والسلوكية، من غير محاكاة لها في إسهامها، في نهضة الغرب الصناعية والاقتصادية، وبين هذا وذاك، يغيب المنهج الوسطي الذي يحفظ للمرأة العربية وقارها ويصون كرامتها، ويطلق، في ذات الوقت، العنان لقدراتها الفكرية والعلمية لتفعل فعلها في المشروع التنموي للأمة .. ولا بد هنا من توجيه تحية إكبار وإجلال للقليلات من أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، اللواتي تحدين العوائق والمثبطات، حتى قدمن لأمتهن ما استطعن في طريق وعر وشائك..!!

إن الأصل في شرعنا الإسلامي المساواة بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات بدليل المساواة بينهما في الغاية من خلق الثقلين وما يترتب عليها من جزاء " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الآية 56 من سورة الذاريات)، "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض" (الآية 195 من سورة آل عمران).

هناك نصوص أخرى تثار حولها الشبهات للتشكيك في مبدإ هذه المساواة، من مثل قوله تعالى في مسألة الشهادة في أواخر سورة البقرة " واستشهدو شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء" وقوله في شأن الميراث من سورة النساء "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين".

هذه النصوص وأمثالها ليست إلا محددات لفروع وجزئيات من أصول وكليات ثبت بالنص والواقع أنها المشترك المساواتي الأكبر بين الذكر والأنثى، وأنها الغالب المهيمن فيما لهما من أحوال ومآلات ومع ذلك قام العلماء، دفعا للشبهات، بالتنبيه إلى أن شهادة المرأة تكون دون شهاة الرجل فيما الرجال في العادة أكثر اطلاعا عليه من النساء، وبالمقابل هناك ما لا تقبل فيه غير شهاة النساء من الأمور التي هن بالاطلاع عليها أولى من الرجال. كما نبه العلماء في مسألة الميراث إلى كون المرأة معفية، في غالب الأحوال، من واجب الإنفاق، ومع ذلك فإن لها، في بعض الحالات، فروض مرتفعة في الميراث، كالنصف مثلا للبنت وبنت الابن والشقيقة والاخت لأب في حالة الانفراد..إلخ

تثار الشبهات كذلك في مسألة القوامة والقيادة، وفي الحقيقة ما كان لعاقل أن يجادل في ضرورة أن يختلف إنسان شرفه الله تعالى، وأناط به وظيفة الحمل، والرضاع، والتربية، عن غيره بحيث يكون أداؤه لهذه الوظائف الكبرى مستغرقا لنسبة من طاقته الفكرية والجسدية على حساب وظائفه الأخرى، وإن دون استغناء عنها بحال من الأحوال.

وباستطراد في هذا المعنى نذكر بأنه من المسلمات عندنا أن البيوت هي خلايا الجسم المجتمعي ومن مشهور الأثر عندنا أن "المرأة قلب البيت" وفي الحديث الصحيح " . . . ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". فأي دونية، للمرأة بعد كونها في البيت بمثابة القلب في الجسد..؟

كل ما في الأمر أن الحياة البشرية منقسمة، بالمنظور الشرعي والعقلي، إلى خمسة أقسام:

1) قسم يستوي الرجال والنساء في التكليف به والجزاء فيه، وهو عبادة الخالق التي هي الغاية من خلق الثقلين أصلا.

2) قسم يخص الرجال، وهو الأبوة التي هي وظيفة رجالية بالمعنى الحصري.

3) قسم يخص النساء، وهو الأمومة التي هي وظيفة نسائية بالمعنى الحصري أيضا.

4) قسم يعنى به الرجال غالبا، كخوض المعارك الحربية وغيرها من تحمل الأعباء الجسدية الشاقة، ونحو ذلك، فالرجال فيه أفضل، ولكنه غير ممنوع على من قدرن عليه وناسبهن من النساء.

5) قسم تعنى به النساء غالبا، كإدارة البيوت، والتربية، ورعاية الروابط الاجتماعية من قرابات، وصداقات، وجوار، فالنساء فيه أفضل، ولكنه غير ممنوع على من قدر عليه وناسبه من الرجال.

وليس في هذا التقسيم، فيما أراني الله تعالى، تفضيل لأي من الجنسين على الآخر ، بقدر ما فيه مساواة ينتظم تحت سقفها تنوع، في بعض الوظائف والأدوارفحسب.

أقول ما قلت، ولست عالما ولا فقيها، ولكني واحد من عامة المسلمين، أهتم بأمورهم، وأستمع لبعض علمائهم، وأقرأ من بعض كتبهم، فأخرج برؤية ومفهوم أرجو أن يكون لهما من الصواب نصيب..!!

 

تحياتي لأصدقائي الأعزة.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122