هل ينجح المتصوفون في مواجهة التطرّف؟ نظرة على التجربة الموريتانية

2015-05-07 10:42:00

كان للطرائق الصوفيه ومشايخها التاريخيين دور مهم في صوغ المشهدين السياسي والاجتماعي في الفضاء الموريتاني. ولكن هذه الحاله لم تاتِ دون تضحيات، ولم تمنع من استمرار وجود مَن يعارض هذه الطرائق ويوجه لها الانتقادات ويخوض معها صراعات شديده معتبراً اياها بدعه ومحاباه السلاطين.

.

ويجد التصوف او العرفان وطرائقه ومشايخه الكثير من التبجيل في موريتانيا. فهو من ابرز الروافد التي تشكل شخصيه المواطن الموريتاني وتؤثر في وجدانه، وذلك منذ امد بعيد، وهو، بالنسبه للكثيرين من الموريتانيين، تهذيب للروح واهم مدرسه سلوكيه تعمل علي الارتقاء والسمو بالنفس، لما يحمله من قيم روحيه تعين الانسان علي مواجهه الحياه الماديه.

يقدم المتصوفون انفسهم علي انهم صمام أمان المجتمعات في مواجهه التطرف واهله لما يحملونه من قيم التسامح وتقبل الاَخر. وهذا ما يحضر قوياً في المؤتمرات التي تعقدها هذه الطرائق في موريتانيا، وكان اَخرها مؤتمر نظمته الطريقه القادريه البكائيه في شمال وغرب افريقيا، وحمل عنوان "التصوف امان من التطرف".

لكن هناك من يري ان الطرائق الصوفيه بواقعها الحالي غير مؤهله للعب ذلك الدور. وفي حديث لرصيف22، قال الباحث في الفكر الاسلامي محمد المهدي ولد محمد البشير: "لا اعتقد ان التصوف في موريتانيا يمكن ان يساهم اسهاماً يذكر في محاربه التطرف، لسببين فكري وعملي. السبب الفكري يكمن في ان المتطرفين يستقون مواقفهم من ايديولوجيه تقوم علي العداء العقائدي للمتصوفه، وهذا ما يجعل مساحه التفاهم بينهم تضيق الي درجه تبادل التكفير والاتهامات بالتضليل والتبديع. ويتجلي ذلك كله في الجفاء الشديد بين التيارات السلفيه والطرائق الصوفيه. وما دامت السلفيه المعتدله لا تتفاعل مع المتصوفه فمن المستبعد ان تجد دعواتهم ارضيه في بيئات السلفيه المتطرفه او العنيفه. اما السبب العملي، فهو ان التصوف في بلدنا لم ينتقل من مرحله الطريقه، التي هي علاقه روحيه بين المريد والشيخ، الي مؤسسه اجتماعيه قادره علي التاثير في المجتمع والتعامل مع جميع مكوناته. وذلك لان الطرائق الصوفيه في موريتانيا لا تمتلك مدارس للتعليم، ولا هيئات خيريه، ولا مؤسسات اعلاميه. صحيح ان اكبر المحاظر (مدارس تقليديه) في موريتانيا تتبع لعلماء متصوفه، لكن المحاظر نفسها لم يعد لها تاثير يذكر علي المجتمع".

وخلص الباحث الي ان "التطرف لا يحارب بالبيانات، ولا باللقاءات الظرفيه، ولا بالملتقيات، بل يحتاج الي رؤيه فكريه واضحه، وعمل مدروس يجيب عن الاسئله التقليديه في ايّه خطه".

ومن المعلوم ان موريتانيا تقع في منطقه غرب افريقيا التي تجد فيها الجماعات المتطرفه ضالتها، خاصه في الجاره مالي وفي نيجيريا غير البعيده، وتجاور دول الشمال الافريقي التي تقيم فيها الجماعات المتطرفه بشكل متفاوت. وتشهد موريتانيا حالياً ارتفاعاً للاصوات التكفيريه وسبق ان تعرضت لاعتداءات نفذها تنظيم القاعده.

كان للطرائق الصوفيه ومشايخها دور مهم في التاريخ السياسي للفضاء الموريتاني، وبرز قاده طرائق كفاعلين في صناعه التاريخ. ولكن ذلك الحضور شابه بعض التقهقر. وقال الباحث الموريتاني المختص في التاريخ الموريتاني المعاصر سيد اعمر ولد شيخنا لرصيف22: "تاريخياً، لعبت الطرائق الصوفيه، في مراحل ازدهارها، ادواراً كبيره في حياه المجتمع الموريتاني وقد نجحت نظراً لحيازتها عاملين اساسيين هما اولاً، رساليه الدور بابعاده الروحيه والعلميه والاصلاحيه، وثانياً، خلق الاداه التنظيميه العابره للقبائل والمناطق في مجتمع انقسامي لم يعرف الدوله. وهذا ما اهلها لاحتلال موقع مميز اكثر فاعليه من ادوار الفقهاء واشمل واعمق من ادوار الامراء ورؤساء القبائل. وعندما جاء الاستعمار، كان زعماء الطرائق الصوفيه هم الاكثر تاثيراً في هذا الفضاء. لذا كانوا طرفاً فاعلاً في معادلات التاثير علي الواقع الذي اعقب دخول الاستعمار علي مختلف المستويات: المقاومه، المسالمه، او المقاطعه الثقافيه".

عبر الزمن، تحولت الطرائق الصوفيه الي جزء مساعد علي استمرار الانظمه السياسيه في موريتانيا والي وسيله يلجا اليها الحكام ايام الانتخابات. وقال ولد شيخنا: "بعد سيطره الاستعمار التامه وتجذر مؤسساته الاداريه والامنيه والقضائيه في طول البلاد وعرضها، اُخضعت الطرائق الصوفيه والقبائل والامارات واخترق بعضها واُضعف بعضها الاخر وضُرب بعضها ببعض. وبعد الاستقلال، ورثت الدوله المستقله الحاله الصوفيه وفق المحددات السابقه مما اضعف ادوارها الاصلاحيه وحصرها في ابعادها الروحيه والاجتماعيه، وحولها الي رافعه سياسيه للحكام يتم استغلالها في المواسم الانتخابيه والتحالفات السياسيه مقابل جمله امتيازات".

وتابع: "ثم مع تنامي الحاله الاسلاميه الحركيه بتنوعاتها المدرسيه، ازدادت اهميه التصوف لدي الحكومات لخلق ظهير ديني لها، وهو ما برعت فيه بعض القيادات الصوفيه والمجموعات المرتبطه بها في لعبه مصالح متبادله".

وقد تحدثت دراسه اصدرها المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجه، عن ضعف دور الطرائق الصوفيه في المشهد السياسي الموريتاني الحالي.

تاريخياً، بدا التصوف يتلمس خطواته الاولي الي الفضاء الموريتاني في القرن العاشر الهجري (16م). وفي حديث لرصيف22، قال استاذ الفلسفه في جامعه نواكشوط والمتخصص في التصوف الاسلامي، محمد يحي ولد باباه: "ان البدايات كانت مع انتشار ما يمكن ان نسميه منظمات دعويه تملك سُلّمها الهرمي، وقد باشرت هذه المنظمات فعلاً اجتماعياً واخلاقياً افرز اشكالاً خاصه من المريديه تفاوتت من منظمه دعويه الي اخري"، موضحاً ان المنظمه الدعويه، في الفضاء الموريتاني، هي ما يعوض الزاويه بدلالتها المغاربيه.

واضاف ولد باباه: "لم تكن الزاويه كمؤسسه، كما عرفت في المغرب العربي، تتماثل في نظامها مع شبيهاتها في بلاد شنقيط (موريتانيا). ويعود ذلك بطبيعه الحال الي الطبيعه الصحراويه للشناقطه والي كونهم قوماً في ترحال دائم، وهذا ما جعل زواياهم تمثل منظمات دعويه متنقله علي خلاف انماطها في البلاد الاخري. هكذا امتازت الطريقه الشنقيطيه عن غيرها بالارتباط بما سمي بالجامعات البدويه المتنقله (المحاظر)".

واكمل: "في البدايه، لم يحضر التصوف في بلاد شنقيط بصوره مكشوفه ومستقله وانما كان حضوره خفياً وضمنياً لان رواده الاوائل لم يستطيعوا الجهر به نظراً لما تعرضوا له من رفض في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (16 و17م) ومن معارضه شرسه بلغت حد التصفيه الجسديه لبعض رواده في الصحراء الكبري كما حدث للشيخ محمود البغدادي الذي جاء بالطريقه الخلوتيه".

واضاف ولد باباه: "تعرضت الحركات الباطنيه المهدويه في منطقتي الكبله وادرار خلال القرن الحادي عشر الهجري، للتنكيل والرفض من طرف الفقهاء، حتي ان الامام ناصر الدين اوبك، الذي قاد اول حركه باطنيه علنيه في بلاد شنقيط بمنطقه الكبله، تعرض للتصفيه الجسديه، وتوفي في معركه ترتلاس في ولايه الترارزه سنه 1674م، عندما كان يقود جيش الزوايا المجاهدين في مواجهه جيش المغافره من عرب بني معقل الرافضين لدفع الزكاه بالقوه، وهي المعركه الثالثه في الحرب بين الفئتين. ومن اهم ما كان يذكي جذوه هذه الحرب، فتاوي الفقهاء المعارضين للنزعه الباطنيه الصوفيه لدي ناصر الدين، وغيره في بلاد شنقيط".

تتزاحم الاَن في موريتانيا مجموعه من الطرائق الصوفيه، وتتفاوت في التاثير والانتشار، وهي حسب حضورها التاريخي في الفضاء الموريتاني:

 

الأخبار نت

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122